شارك

بعد يومين من مطالبته وزير العدل التركي بالاستقالة على فيسبوك تلقى المدعي مندريس أريجان خطابا لنقله بأمر واجب التنفيذ فورا من إقليم في الغرب إلى مكان هامشي نسبيا في الشرق.

ولا يشك أريجان (49 عاما) الذي يعمل مدعيا منذ عقدين في أن ما وصفه “بنفيه” المفاجئ بعد سبعة أشهر فقط من توليه منصبه هو عقاب على انتقاده للحكومة.

يأتي نقل أريجان -الذي جاء في إطار عملية إعادة هيكلة واسعة النطاق تشمل آلاف القضاة وممثلي الإدعاء- في الوقت الذي يحاول فيه حزب العدالة والتنمية الحاكم دفع مزيد من الإصلاحات داخل المستويات العليا بالمنظومة القضائية.

ويرى منتقدون أن هذه العملية محاولة من الرئيس طيب أردوغان للتخلص من القضاة مثيري المشاكل وإحكام قبضته على المحاكم في الوقت الذي يسعى فيه لإجراء تعديلات دستورية تدعم سلطاته ضمن نظام رئاسي تنفيذي. ويقول حزب العدالة والتنمية إن هذه الإصلاحات ستساهم في تيسير عمل النظام القضائي.

وقال أريجان عبر الهاتف من إقليم جاناكالي في الغرب الذي مازالت أسرته تعيش فيه رغم أنه يعمل في الشرق منذ نقله في فبراير “نمر بفترة تسعى فيها السلطة التنفيذية لفرض سيطرتها تماما على القضاء… هذا ضد مبدأ الفصل بين السلطات”.

وقال مسؤول في وزارة العدل إن مزاعم أريجان بشأن نقله “ليست صحيحة ولا تعكس الحقيقة” لكنه لم يدل بتفاصيل.

وقال محمد شيمشك نائب رئيس الوزراء التركي الأسبوع الماضي إن الهدف من تلك الإصلاحات التخلص من العراقيل التي تعوق عمل المحاكم، مشيرا إلى أنها كانت مطلبا لمجتمع الأعمال في البلاد.

وأبدى الاتحاد الأوروبي قلقه مرارا من تآكل استقلال القضاء في تركيا مع تحذير مسؤولين من أنه يجرف البلاد بعيدا عن المعايير الأوروبية ويضعف من محاولة انضمامها للاتحاد الأوروبي التي تواجه أصلا صعوبات.

ووفقا لمسودة مشروع قانون يناقشها البرلمان سيتم عزل معظم القضاة البالغ عددهم 711 قاضيا في اثنين من أبرز محاكم البلاد هما مجلس الدولة المختص بالقضايا التي يرفعها المواطنون ضد الحكومة ومحكمة الاستئناف العليا. وليس من الواضح عدد من سيتم إعادة تعيينهم في الهيكل القضائي الجديد الذي سيضم عددا أقل من المحاكم والقضاة.

وسيقوم أردوغان بعد ذلك بتعيين ربع عدد القضاة في مجلس الدولة مما يسمح له بحشد حلفائه في أحد أهم الهيئات القضائية في البلاد.

ووصف نقيب المحامين الأتراك متين فايز أوغلو التغييرات بأنها خطرة. بينما قال مصدر بارز في الاتحاد الأوروبي إنها “تبدو انتقاما من الأحكام التي تحدت أردوغان”.

تأتي هذه الإصلاحات لتكمل عملية إعادة هيكلة أخرى واسعة النطاق وغير مسبوقة هذا الشهر من المجلس الأعلى للقضاة والمدعين الذي يشرف على التعيينات القضائية ويخضع لإدارة وزارة العدل.

وقام المجلس بنقل أكثر من 3700 قاض وممثل ادعاء في إعادة الهيكلة النصف سنوية الأخيرة بما يمثل ربع من هم على قوة العمل في خطوة أثارت اتهامات بالملاحقة والاضطهاد. وقال المجلس في بيان في العاشر من يونيو إن العملية تمت في وقتها المعتاد لكن زيادة عمليات النقل جاءت لسد النقص في بعض المناطق.

وقال مراد ايدين (45 عاما) وهو أحد القضاة الذين تم نقلهم من إقليم إزمير على بحر ايجه إلى إقليم طرابزون على البحر الأسود “المجلس الأعلى للقضاة والمدعين يعتبر كل من لا يفكر بالاتساق مع قيمه الخاصة شخصا (آخر)، ويبلغهم جميعا بالأساس بأنهم سيواجهون عواقب تأييدهم للجانب الخاطئ”.

جاء نقل إيدين بعد بضعة أشهر من تقديمه التماسا للمحكمة الدستورية ضد قانون تركي يعاقب على إهانة الرئيس وهو نص قانوني اعتمد عليه ممثلو الادعاء أكثر من 1800 مرة منذ تولي أردوغان السلطة في 2014 لمقاضاة صحفيين وأكاديميين وطلبة وحتى ملكة جمال تركيا السابقة.

نوع جديد من الوصاية؟

والعديد من القضايا في المحاكم التركية مسيسة بشدة بالفعل. وصدر حكم بالسجن خمس سنوات في مايو على جان دوندار رئيس تحرير صحيفة جمهورييت المعارضة لكشفه أسرار دولة وجاء بعد أن قال أردوغان إنه لن يتسامح مع تغطية الصحيفة لشحنة أسلحة تركية لمقاتلي المعارضة السورية. وأدانت جماعات حقوقية الحكم.

واحتجزت السلطات أربعة أكاديميين أتراك لعدة أسابيع في وقت سابق من هذا العام بتهم نشر دعاية إرهابية بسبب قراءتهم لإعلان يدعو لإنهاء العمليات العسكرية في جنوب شرق البلاد ذي الأغلبية الكردية. وما يزالون يواجهون المحاكمة وقال أردوغان إنهم يجب أن يدفعوا ثمن مثل هذه “الخيانة”.

وقال أيضا إنه يريد أن يرى أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي المعارض الموالي للأكراد -وهو ثالث أكبر حزب في البرلمان – يحاكمون بزعم أن لهم صلات بجماعات متشددة وجرد النواب من حصانتهم كخطوة أولى.

ويقول معارضو أردوغان أن المحاكم أصبحت أكثر ولاء لسياسة أردوغان منذ حملات تطهير واسعة النطاق في القضاء جاءت في أعقاب فضيحة فساد في 2013.

وصور أردوغان الذي كان وقتها رئيسا للوزراء الفضيحة بوصفها مؤامرة حاكها رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله كولن -وهو حليف سابق لأردوغان تحول إلى عدو- والذي يشغل أتباعه مواقع رئيسية في النظام القضائي.

وقال رشاد بيتيك وهو نائب عن حزب العدالة والتنمية وعضو في لجنة العدل في البرلمان إن الإصلاحات التي تخضع حاليا لنقاشات في المجلس تستهدف التخلص من أي بقايا لنفوذ كولن في المنظومة القضائية وهو الذي يتهمه أردوغان بمحاولة تشكيل “كيان مواز”.

وقال بيتيك “سيتم تصفية هذه المنظمة الموازية من المناصب العليا في القضاء”، مشيرا إلى أن نحو 160 عضوا في محكمة الاستئناف تم اختيارهم عندما كان المجلس الأعلى للقضاة والمدعين يخضع لنفوذ أتباع كولن.

ويخشى المعارضون من أن نظاما للوصاية سيتم ببساطة استبداله بآخر. وقال فايز أوغلو نقيب المحامين “لا نريد كيانا يتبع كولن في القضاء لكننا لا نريد أيضا كيانا يتبع أردوغان”.

ويقول مسؤولو حزب العدالة والتنمية إن الإصلاحات سوف تسرع من عمل النظام القضائي المثقل بما يصل إلى مليوني قضية بعضها ينتظر النظر فيه منذ سنوات. لكن علي ارطوسون الذي عمل في محكمة الاستئناف لمدة 16 عاما يرى أن هناك هدفا آخر.

قال أرطوسون “سيتخلصون من الأعضاء الذين لا يروقون لهم وسيتحكمون في القضاء بالكامل … هذا غير دستوري وتدخل يقوض استقلال القضاء”.

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.