شارك

ربما قضى معظم فترات شبابه بين المكلفين بتنفيذ القوانين المتشددة داخل المملكة العربية السعودية، باعتباره عضوا بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي سيطرت على الشارع السعودي بقبضة من حديد لعقود طويلة، هكذا استهلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تقريرا لها عن أحمد قاسم الغامدي، والذي تحول من عضو بالهيئة التي كانت تقف على خط المواجهة أمام أية محاولات من شأنها تغريب المملكة الإسلامية أو تحويلها إلى منحى أكثر علمانية، إلى أحد دعاة التحرر.

وأضافت الصحيفة الأمريكية البارزة أن دور الهيئة يتشابه إلى حد كبير مع دور أفراد الشرطة العاديين، حيث كان منوط بهم مجابهة الجريمة، ومنع الإتجار في المخدرات، أو تهريب الكحوليات، إلا أن تركيزهم الأول كان ينصب في الأساس على الحفاظ على المعايير المحافظة التي تتبناها ليست فقط المملكة ولكن معظم دول العالم الإسلامي، حيث كان الاختلاط بين الرجل والمرأة أحد الجرائم التي كانت الهيئة تحاربها باعتباره الطريق الذي قد يؤدي إلى الزنا.

كان الغامدي أحد المتمسكين بتلك المباديء، حتى وصل إلى منصب المسئول عن قيادة الهيئة في مدينة مكة المكرمة، والتي تعد أهم وأقدس مدن المملكة، إلا أنه بعد ذلك بدأ يطرح تساؤلات من شأنها التشكيك فيما اعتنقه هو نفسه لسنوات طويلة، بحسب ما قالت الصحيفة الأمريكية البارزة، ليتحول إلى القران الكريم وقصص النبي محمد، وأصحابه، ليجد في النهاية أن هناك حاجة ملحة لمراجعة تلك الأفكار التي كان هو نفسه أكثر المدافعين عنها يوما ما.

ونقلت الصحيفة الأمريكية عن العضو السابق بالهيئة قوله بأن ما يمارس داخل المملكة العربية السعودية لسنوات طويلة، على اعتبار أنه درب من دروب المحافظة على التعاليم الإسلامية والتدين، ليس أكثر من موروث ثقافي عربي اختلط بصورة كبيرة مع الايمان، موضحا أنه لا توجد حاجة في الأساس إلى إغلاق المحال التجارية في أوقات الصلاة أو ما يمنع المرأة من قيادة السيارة، حيث كانت المرأة في عهد النبي تركب الجمال، وهو ما اعتبره أكثر جراءة من قيادة السيارات ذات الدفع الرباعي في وقتنا الحاضر.

فتاوى السيد الغامدي تجاوزت ذلك، هكذا تقول “نيويورك تايمز”، حيث تطرق إلى النقاب قائلا إن السيدات في عهد النبي كن يغطين وجوههن فقط إذا ما أردن أن يفعلن ذلك، ليكتمل المشهد الجريء الذي تبناه الرجل، بظهوره مع زوجته على شاشات التلفاز دون نقاب، ليستفز قطاع كبير من مشايخ السعودية، وقطاع كبير من المحافظين، حتى وصل الأمر إلى تهديده بالقتل من بعضهم سواء من خلال رسائل تلقاها على هاتفه المحمول أو على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأضاف الغامدي أن الإسلام يقدم برنامجا متكاملا للحياة الإنسانية، إلا أن الأمر يخضع للتفسير عند الحديث عن الممارسات، حيث اعتمدت المملكة على التفسيرات المحافظة لعقود طويلة من الزمن، والتي تجد جذورها في الإرث الثقافي للجزيرة العربية، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين الرجال والنساء، حيث يفرض على النساء ارتداء العباءات الطويلة، والنقاب لإخفاء وجوههن وشعرهن، كما توجد بالمطاعم أقسام منفصلة للرجال والنساء، في حين أنه يوجد اختلاط بصورة كبيرة في القطاع الخاص وكذلك ردهات الفنادق.

وأوضح الغامدي، في تصريحات أبرزتها الصحيفة الأمريكية، أن هناك قطاع كبير من السعوديين يتبنون نفس الرؤى التي يعتنقها، موضحا أن هناك اختلاف في الآراء بين البعض في المجتمع السعودي، حيث المحافظين الذين يسعون إلى الحفاظ على الهوية الدينية للمملكة، وبين الليبراليين والذين يطمحون إلى مزيد من الحريات.

وأشار إلى القرار الذي اتخذته المملكة خلال الأشهر الماضية بتقليص صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،  بمثابة نقطة تحول في تاريخ المملكة، خاصة وأنه يأتي ليتوافق مع الدعوات الإصلاحية التي تبناها خلال السنوات الماضية، موضحا أن هذا القرار لا يلقى قبولا من قبل المتشددين داخل المملكة لأنه سوف يكون من شأنه تقويض نفوذهم إلى حد كبير في المستقبل.

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.