الربيع العربي و فشل مآلات التغيير. كتبه : حسن مشهور

الربيع العربي و فشل مآلات التغيير. كتبه : حسن مشهور

شارك

 

imago

لم ترقى نواتج الربيع العربي في البلدان التي عمها إلى مطمح الشعوب العربية ، وهو الأمر الذي أدى إلى تشكل رأي جديد يمكن وصفه بالرجعية الثورية يرى مناصروه بأن الأنظمة السابقة التي أسقطتها ثورات الربيع العربي قد كانت بفسادها وبمساوئها السياسية والاجتماعية والاقتصادية أفضل مما يتم معايشته اليوم.
فحالة اللادولة التي يعيشها مواطنو الدول العربية حاليا مع حالة التضخم الإقتصادي والإنفلات الأمني ولغة الإرهاب والتطرف التي تُسْمَع بين حين وآخر تجعل الجميع يحن لتلك الأيام عندما كانت هناك دولة بمسمى دولة بغض النظر عن  السلبيات التي طالت  أدائها وذلك الفساد المالي والإداري الذي نخر مفاصلها .
لكن مالذي اوجد حالة اليأس وولد حالة الاحباط في النفسية العربية وجعلها تحن للرجوع للمربع السابق مع مافيه من مساؤى ؟ إن الاجابة على هذا التسأول تحتاج الى دراسة مستفيضة لمجمل المؤثرات الثيولوجية والسيولوجية والسايكلوجية التي تعتبر هي المحرك المطرد لحالات الثبات والتغيير في العقلية العربية . وأن نعمل على اسقاط هذه الأيقونات على كل بلد من بلدان الربيع العربي على حدا .
بيد أني سأحاول هنا أن اقتصر على تلك العوامل الرئيسية والفاعلة والتي جعلت من شباب الثورة العربي يعيش حالة برزخية بين الحنين لدولة الماضي مع رفضه في ذات الوقت لكينونتها السابقة وبين توقه للثورية الوليدة مع رفضه لمآلاتها والتي لم تتسق مع أحلامه الثورية .وساجعل من جمهورية مصر العربية إنموذج نظراً للدور العربي الذي كانت تمثله وتلعبه مصر في المنطقة العربية على وجه الخصوص.
لقد تمكن شباب مصر من تغيير معادلة الحكم في مصر موظفين في ذلك إحدى ادوات السوشل ميديا وجاعلين من خالد سعيد – وهو احد شباب مصر قضى نحبه تحت ايدي رجالات الأمن – وقضيته محطة للإنطلاق .
إن هؤلاء الشباب حين خروجهم لم يكن لديهم مخطط لقلب نظام الحكم في مصر ولكنهم كانوا يأملون من خلال تظاهرهم في توليد ضغط على نظام مبارك وخلق حالة حرج سياسي لمصر على الصعيد الخارجي ، وهو الأمر الذي سيدفع نظام الحكم في مصر – في اعتقادهم حينذاك – إلى إجراء إصلاحات عامة يتعلق بعضها بحالة الموقوفين على ذمة قضايا وأن تسعى الدولة للبحث عن حلول لمكافحة البطالة ومعالجة حالة التضخم الاقتصادي والفساد المتفشي في اوصال الجمهورية المصرية.
ما اذكره جيداً أن وائل غنيم وهو احد رموز شباب الثورة بمصر وممن اوقدوا جذوة ثورة 25 يناير قد قال عندما التقته الزميلة الإعلامية منى الشاذلي في برنامج العاشرة مساء على تلفيزيون ( دريم المصري )، بأنه هو وزملائه : ( … لم يكونوا يسعون لإسقاط نظام مبارك ولم يخطر في بالهم ولو لوهلة بأن ذلك أمر ممكن ولكن كانت أقصى أحلامهم أن يتم الإستماع لمطالبهم وأن يتم إجراء إصلاحات على صعيد الداخل فقط … ).
لكن هشاشة نظام مبارك الذي نخرته ثلاثة عقود من الفساد قد سرّع بسقوطه . إلا أن ما جرى في مصر لاحقاً من أحداث وتبدلات سياسية هي بالأساس ما اسهم في وصول مصر لوضعها الراهن وهو الأمر الذي جعل ثورة 25 يناير وكأنها لم تكن وخلق حالة كآبة لدى شباب مصر وشعوراً بالتيه النفسي كون ثورتهم لم تؤتي أكلها وكون الحالة السياسية الراهنة والوضع الحالي والقائم بمصر لم يكن هو مطمحهم من التغيير.
إن مرد فشل ربيع مصر مرده جملة من الأسباب ومن الغريب أنه و للمرة الأولى تكون الأسباب الداخلية هي العوامل المعيقة للتغيير في الداخل العربي وليست الخارجية منها. إذ أنه لعقود قد كانت الأمبريالية العالمية هي المعيق الرئيسي لحالات التغيير الإيجابي في البلدان العربية.

 

images

ونحن حين نعمل فكرنا ، فإننا نستطيع أن نجمل الأسباب والعوامل التي أدت لانتكاسة في حالة المد الثوري بدول الربيع العربي ومن ضمنها جمهورية مصر في مايلي :-

اولاً : إختطاف الثورة
(الإسلام السياسي والإنتهازية المُعْلَنة )

لعل السبب الرئيس لفشل مطلب الثورة بالتغيير في مصر يتحمل جله الراديكاليين الدينيين المسربلين بالسياسة . فمنذ سعي حسن البنا لتأسيس اول جمعية دينية بصبغة سياسية والكوارث تتوالى على مصر.
فجماعة الإخوان لم تكتفي في تاريخها بتوظيف الدين للوصول للسلطة وتأسيس جناح مسلح واقتراف جملة من الاغتيالات السياسية الممنهجة ضد خصومها كما جرى في قضية اغتيال رئيس وزراء مصر النقراشي باشا في اواخر الأربعينات الميلادية وكذلك اغتيال القاضي الخازندار . ولكنها وبعد تيقنها بأن ثورة 25 يناير في طريقها لتأتي أكلها ، فإنها قد حرصت على أن تبذل جل جهدها كي تصل لرأس السلطة في مصر.
الإخوان كانوا يدركون بأنهم هم من يملك خبرة في ثقافة كسب اصوات الناخبين بالطرق والوسائل الملتوية – تدعى في مصر بعملية التزبيط – كما أنهم قد أدركوا ومنذ الوهلة الأولى بأن الحزب الرسمي للدولة – واعني به الحزب الوطني – هو في مرحلة الإحتضار في حين أن الوفد وهو الحزب العتيد في مصر وباقي الأحزاب المصرية الأخرى تعاني من حالة ضعف وصراع داخلي بين أقطابها كما أن سعي نظام مبارك المطرد والممنهج للتهميش هذه القوى السياسية قد ساعد على إضعافها وبعدها عن الشارع المصري والمواطن المصري البسيط . في الوقت الذي كان فيه شباب الثورة لم ينخرطوا – قبل خروجهم – في حزب واحد وموحد .كما أنهم كانوا لايملكون مشروع سياسياً ولذا فإنه قد كان من السهل على جماعة الإخوان عملية تحييدهم من المشهد السياسي المصري والتسيد على صنع القرار بمصر.
وللتاريخ فإن هذا هو ماجرى لاحقا ، فقد تمكنت جماعة الإخوان وللمرة الأولى في تاريخها ومنذ تأسسها في عام 1928 في أن تحقق حلمها العتيد وأن يصل احد افرادها الى رأس السلطة في مصر. الا أن ماجرى لاحقا ً قد كان مخيباً لآمال الكثيرين فوعود رموز الإخوان وعلى رأسهم المرشد بأن الممارسة السياسية ستكون مشاعة للجميع وبأن الحريات ستكون مصانه قد اثبتت مجريات الأيام كذبها.
فبمجرد وصول مرشح الجماعة للسلطة واعني به محمد مرسي العياط ، فقد سعى الإخوان الى وضع اعضاء الجماعة في وظائف حيوية وهامة تمكنهم من الإمساك بمفاصل الدولة ، وحرصوا في ذات الوقت على اقصاء وتهميش باقي القوى السياسية والثورية ورموز العمل السياسي والإجتماعي بمصر . بل أنهم تعمدوا أن تكون الوظائف الفاعلة لمن كان ينضوي تحت لواء الجماعة وعملوا على استئثار العناصر التابعة للجماعة في التشكيل الوزاري بسلطة صناعة القرار السياسي في مصر.
إن الإخوان قد عانوا لعقود وتحديداً بعد ثورة 23 يوليو 1952م من عملية تهميش ممنهجة مارستها الحكومات المتعاقبة على حكم مصر. ولكن المفارقة الباعثة على السخرية إن الجماعة بمجرد وصولها للسلطة فقد سعت للتفرد بالقرار وتهميش باقي المكون السياسي بمصر. ونظراً لخبرتها السياسية الضئيلة فقد ارتكبت العديد من الأخطاء القاتلة وكان لممارستها السياسية الأحادية الجانب هذه ، السبب الرئيسي لنشؤ ثورة 30 يونيو كردة فعل تصحيحي للفعل السياسي الإخواني وهو ما تمخض عنه لاحقاً فشل ربيع مصر في تحقيق أهدافه الرئيسية.
كما أنه يحضرني هنا أن اشير الى أن اتباع الفكر الإخواني في باقي الدول العربية والخليجية قد هللوا لإستئثار جماعة الإخوان بالسلطة في مصر فهو كغيرهم من اتباع هذه الفكر القطبي لايثقون في باقي المكون المجتمعي ويرون بأنهم هم اصلح مافي الأرض وأن غيرهم من باقي عناصر المجتمع لاخير فيهم ولاصلاح كونهم لم ينظموا للجماعة ولم يعلنوا ولائهم لها . ولذا فأنصار الجماعة في بعض دول الخليج وبعض الدول العربية قد حرصوا وعملوا جادين للدفاع عن مرسي وتبرير اخطاءه واخطاء باقي زمرته من جماعة الإخوان.

                                                                        ثانياً : الدولة العميقة
الأمر الآخر والذي أدى لحالة فعل انعكاسية أعادت الربيع العربي وخاصة بمصر الى المربع الأول ، كان التعقيدات والإشكالات المتولدة من الزخم التأثيري للدولة العميقة. فعندما نجحت الثورة في الإطاحة برئيس الجمهورية المصري حسني مبارك فإن الجميع قد اعتقد أن بسقوطه قد انتهى عصر وبدأ آخر جديد .
لكن الحقيقة إن ما تم ازالته هو فقط رأس النظام في حين بقيت القوى المؤثرة في مفاصل وأجزاء النظام والتي تتحكم في بناه الإقتصادية والإجتماعية والسياسية كما هي ولم تتبدل قناعاتها أو تتغير نظرتها أو فهمها السياسي.
فهناك رموز اقتصادية كبيرة قد ارتبطوا بعلاقات تتسم بالثنائية المنفعية مع شخصيات نافذة في النظام السياسي لدولة مبارك. وهناك رؤساء بعض الأحزاب وبعض الشخصيات والأقطاب الإجتماعية والسياسية والدينية النافذة كما أن هناك المؤسسة العسكرية باستثماراتها الخاصة والمهولة والتي لعل من ابسطها ” هيئة التصنيع الحربي ” . فهذه المؤسسة هي الأكثر تأثيراً في تشكل الحياة السياسية في الدولة ولقد رسخت ثقلها النوعي عبر تاريخ امتد لأكثر من ستين عاماً ولذا فهي ليست مستعدة للتخلي عن هذا الإرث بين ليلة وضحاها ، في ذات الوقت الذي كان رئيس النظام السابق – واعني به مبارك – يشغل منصب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة وهذه المؤسسة تتبع سياسة الولاء والتبعية لصاحب الرتبة العسكرية الأعلى.
ومن هنا فجميع هذا القوى كان الأصلح لها أن تأتي برئيس وفق إشتراطات محددة و يتماهى مع ذات الممارسة السياسية والتعاطي الذي كان عليه الرؤساء العسكريين السابقين واعني بهم عبد الناصر والسادات ومبارك حتى تتمكن من المحافظة على مكتسباتها الخاصة ومصالحها الذاتية وتمرير رغباتها .

ثالثاً : إنتفاء نظرية المؤامرة

نعم نحن اعتدنا دوماً على تعليق اخطاءنا السياسية والإقتصادية وحتى الإجتماعية منها على تلك المؤمرات الخارجية التي تحاك لنا من ” الآخر ” ، في حين أننا ننسى أو نتناسى بأننا جزء من المشكلة.
نعم النظم العالمية ، يسعى بعضها احيانا ً لتوجيه سياسات دول منطقة الشرق الأوسط وفق مصالحها الخاصة وتوجهاتها الذاتية ولكنها في يقيني لاتملك الهيمنة على الشعوب وإن ملكتها على بعض القيادات العربية.
إنه نحن من يتحمل الوزر الكبير من فشل محاولات التغيير والإصلاح . فعلى سبيل المثال ، فإن العديد ممن شاركوا في الثورات الربيعية في البلدان العربية ما أن تمكنوا من اسقاط النظم القائمة حتى توقفوا عن العمل والإنتاجية والحرص على الخروج بسفينة الدولة الى بر الأمان وركنوا الى تصفية حساباتهم في خصومات هامشية بل والأكثر بعثاً للسخرية أنه ظهرت على السطح حمى يمكن تسميتها ” بالمطالب الفئوية ” .
فالأطباء والمهندسون والمعلمون والعسكريون وحتى طبقة العمال ، الجميع كان ينظّم بين فينة وأخرى الإعتصامات ويطالب بزيادة في مخصصاته المالية وعائده الشهري ويرفض العودة للعمل وتسيير أمور الدولة قبل أن يحصل على وعود اكيدة بتحقيق مطالبه في الوقت الذي كانت فيه الدولة الوليدة تعاني من ضائقات مالية كبيرة وصعوبات اقتصادية جمة وتعتمد في تسيير أمورها على معونات دول الخليج وبعض الدول المانحة.

images (1)

الربيع وسفينكس الإنبعاث

وختاماً ، هل سيعاود الربيع تكرار الحالة السابقة والظهور في العوالم العربية مجدداً ؟ حقيقة إن الأمر رهن بما ستتمخض عنه الممارسة السياسية للحكومات القائمة حالياً في بلدان الربيع العربي وتحديداَ بعد مرور عقد من الزمان.
فالشباب الذي قام بهذه الثورات لم ينسى للآن أن ثورته قد اختطفت نتاج عدم انتظامه في حزب متجانس ومؤسس بشكل جيد وكذلك لإفتقاره لمشروع حكم أو مشروع سياسي حينذاك . ولذا ففي تقديري أنه في حالة شعوره بعودة الممارسات السلبية السابقة في مجتمعه والمتمثله في قمع الحريات استمرار تفشي الفساد بشقيه المالي والإداري ، فهو لن يتردد في رفع راية العصيان المدني وتكرار التجربة مجدداً .
كما أنه حينذاك سيكون قد اكتسب المزيد من الحكمة والقدرة على النظر للأمور من زوايا أخرى ومختلفة ، كما أنه في ذات الوقت يمتلك جراءة الخروج والتظاهر . فهو قد جرب ذلك سابقاً واصطدم بأعتى الأنظمة وسقط منه العديد من الشهداء ولذا فهو لن يجد صعوبة في تنظيم صفوفه والإستعانة بالسوشل ميديا مجدداً أو توظيف أي وسيلة أخرى – تقنية أو غير تقنية – في سبيل إعلان الحشد الشعبي والخروج على الأنظمة القائمة.
ولذا فحري بالحكومات الحالية أن تنصت لصوت الشباب وأن تستمع لمطالبهم وأن تسعى لضمهم تحت جناحها وجعلهم شركاء في العملية السياسية فهم أمل الأمة العربية وهم بذواتهم يشكلون ” أهم أدوات التغيير” .

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.