أحمد الجارالله: إنه الانقلاب الأردوغاني ـ الإخواني

أحمد الجارالله: إنه الانقلاب الأردوغاني ـ الإخواني

شارك

لم يعد خافيا على أحد ان رجب طيب اردوغان حوَّل المحاولة الانقلابية الفاشلة شكلا، الناجحة مضمونا بالنسبة إليه، شماعة يعلق عليها حملة تطهير جذرية أعد لها مسبقا ليحكم سيطرته على الحكم تمهيدا لتنفيذ ما يصبو اليه من تعديلات دستورية تغير نهج الدولة المترسخ منذ العام 1923.

فمن يصدق أن الساعات الست للمحاولة الانقلابية شارك فيها نحو 50 ألفا من الجيش والشرطة والاستخبارات والمعلمين والقضاة ووكلاء النيابة والصحافيين وموظفي الشؤون الدينية إضافة الى ثلاثة ملايين موظف منعوا من السفر وغيرهم … وغيرهم عملوا على الاعداد لها بينما أجهزة الدولة لم تتخذ اي اجراء حيالهم لاشهر؟

الوقائع تدل على ان المحاولة العسكرية كانت ستارا ليبدأ الانقلاب الاردوغاني – الاخواني الحقيقي الساعي من خلاله حزب “العدالة والتنمية” الى إحداث تغيير جذري لنهج الدولة عبر تعديل دستوري يجعل الحكم رئاسيا وينزع رويدا … رويدا الهوية العلمانية عنها في محاولة لإعادة إحياء الخلافة بعد مئة عام على انهيارها، وبدلا من ان تكون عثمانية ملتحية تصبح اردوغانية حليقة الذقن وبربطة عنق، لكن أليس الله وحده سبحانه يحيي العظام وهي رميم؟ ل

م يختلف ما يفعله اردوغان عما سبقه اليه آية الله الخميني في العام 1979 عندما بدأ فور تسلمه الحكم بعد رحيل الشاه بعملية افراغ ممنهجة للقوات المسلحة الايرانية والمؤسسات كافة، فالمشهد التركي الحالي نسخ شبه حرفي لما جرى قبل 37 عاما في الجارة الشمالية الغربية.

اليوم في انقرة، ايضا، يولد “حرس ثوري” وقد شاهد العالم اجمع نواته في الميليشيات التي نزلت الى شوارع اسطنبول ليلة الفوضى، بل كانت عمليات السحل والقتل والذبح مشابهة تماما لم يرتكبه “الدواعش” في الجارتين السورية والعراقية، وما ارتكبته نواة الحرس الثوري في ايران قبل ثلاثة عقود ونصف العقد.

اضف الى ذلك ان الاذلال الذي تعرض له الجنود الاتراك هدفه كسر الهيبة العسكرية لجعل الجيش في موقع الذليل غير القادر على تأدية دور اضطلع به نحو قرن من الزمن، واهانته بهذا الشكل ايضا هي حصيلة حقد غائر وانتقام من منعه نجم الدين اربكان وحزب”الرفاه” قبل نحو عقد ونصف العقد من دفن نهج الاتاتوركية، فأتى المولود من رحم ذاك الحزب، لينتقم ويفرض نهجه على الدولة ككل. ما يمارسه اردوغان اليوم هو ثقافة لجماعة الاخوان المسلمين التي حاولت السير بها في مصر فور تسلمها السلطة لكن اذا كانت ثورة 30 يونيو منعتها من اكمال مخططها، فان الطبيعة السياسية والدستورية التركية كانت عقبة كبرى امام “العدالة والتنمية” الذي كرس خطابه في السنوات الماضية لتسويق فكرة تعديل الدستور، بل نسفه ووضع آخر بديلا عنه.

ما فات أردوغان في خضم حركته هذه هو انها طيرت حلم الانضمام الى الاتحاد الاوروبي، واثرت على الاقتصاد التركي فها هو بدأ يدخل ازمة جمود ستؤدي لمزيد من الانتفاضات الشعبية في المستقبل القريب، فيما شهوة الانتقام والسيطرة ستعتمل أكثر ولن يشبعها اقصاء جماعة فتح الله غولن، بل لا بد ان يأتي دور الاحزاب الاخرى، وحتى الحليفة منها من اجل بسط السيطرة المطلقة على السلطة، لكن رغم كل ذلك لن يستطيع اردوغان اعادة احياء الخلافة القديمة لأن ما رسمه سايكس وبيكو قبل مئة عام بات اكبر من أحلام الخلفاء الجدد، ولذلك لن يحصد غير تأسيسه ديكتاتورية جديدة ستدخل تركيا في دوامة انتقامات ربما تجعلها تنزلق الى الدرك ذاته الذي تقبع فيه اليوم كل من سورية والعراق.

نقلًا عن “السياسة” الكويتية

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.