عماد المديفر: رؤية 2030.. وجسر الملك سلمان.. والمنطقة الحرة في سيناء.. والصين...

عماد المديفر: رؤية 2030.. وجسر الملك سلمان.. والمنطقة الحرة في سيناء.. والصين « 2-2»

شارك
ذكرت أن علماء السياسة وعلماء الاقتصاد على حد سواء، يرددون أن «الاقتصاد» هو لبّ العمل السياسي وجوهرة، وأن الخدمات والمصالح هي التي تُبنى عليها التحالفات، والتي بدورها تعتمد درجة متانتها على متانة وأهمية وحيوية وديمومة تلك المصالح المشتركة.. وأن رؤية المملكة العربية السعودية 2030 ما جاءت إلا لتعزز المصالح الحيوية والإستراتيجية للمملكة، حمايةً لمصالحها العليا، لا سيما في ظل الظروف والتبدلات الدولية الراهنة بالمنطقة والعالم، وعلى جميع الصعد.. سياسية وعسكرية واقتصادية وأمنية وثقافية وغيرها..
لذى جاءت هذه الرؤية نتيجة دراسة معمقة للوضع العام، والخاص.. وخرجت بالتوصية بالعمل على تعزيز المحاور الثلاث: العمق الديني والعربي، الحضاري والقيمي والإرث التاريخي.. وتنمية القوة الاستثمارية.. والبعد الجيوسياسي والجيواقتصادي..
كما أوضحت بأن هذه الرؤية هي مسألة حيوية.. وتمس المصالح العُليا للوطن والمواطن، ولا مستقبل لحياة كريمة آمنة في عالم تتجاذبه المصالح وتتصارع عليه القوى، إلا بالعمل الجاد والدؤوب وفق هذه الرؤية العظيمة.. التي استلهمت الماضي والحاضر، ودرست الفرص ونقاط القوة، وحددت التهديدات ومواطن الضعف، واستشرفت المستقبل، ووضعت خارطة الطريق التي تقودنا إلى ما نستحقه من مكانة دولية.
الصين بدورها، كثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأكبر عدد سكان، وكقوة عظمى سياسية وعسكرية وصناعية.. تشاركنا الهواجس والطموحات ذاتها.. وتنظر للمستقبل باستشراف أكبر.. متطلعة لمكانة أعظم تستحقها في هذا العالم.. وهي التي وجدت نفسها في منافسة محمومة مع قوى دولية كبرى.. تشاكسها وتشاغلها في مناطق نفوذها، بل وتسعى لتتسلل أصابعها في الداخل الصيني سعياً لخلق جو من الفوضى والاضطرابات.. حتى لا ينهض هذا التنين الصيني.. هكذا يقول محللون صينيون في الصحافة المحلية هناك.. وهو ما ألمسه في قراءاتي للدراسات الأجنبية الحديثة التي تتناول الصين.. وتتخوف من سيطرتها المستقبلية على الاقتصاد والصناعة..
لدى الصين برنامج واضح وطموح، ومشروع جبار أطلقت عليه: «طريق الحرير الجديد».. وأصدرت مؤخراً لجنة الدولة للتنمية والإصلاح، ووزارة الخارجية، ووزارة التجارة في الصين معاً وثيقة بعنوان: (التطلع والعمل لدفع البناء المشترك للحزام الاقتصادي على طول طريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين) والتي تعتبرها خطوة مهمة لبناء «الحزام والطريق».. وتنظر إليه بأنه سيصبح القوة الدافعة الأساسية للاقتصاد العالمي خلال القرن الواحد والعشرين، وأنه سيعزز العلاقات بين الصين وبين العديد من الدول، منشئاً مشروعات كبرى في مجالات البنية التحتية والخدمات الملاحية والطيران والنقل والاتصالات والطاقة، كما قال حاكم هونج كونج مؤخراً..
ويطلق المحللون الصينيون على مدن مثل: الرياض، أبوظبي، دبي، بكين، مومباي، تشيناي، طوكيو، كوالالمبور، سنغافورة، هونج كونج، شنغهاي لقب: (الرابحون الإقليميون)، أو (النجوم الصاعدة) على طريق الحرير الجديد، لا سيما في ظل تراجع الأمن والاستقرار والتنمية في مراكز استراحة القوافل القديمة على طريق الحرير القديم، مثل فارس (إيران)، والشام (لبنان وسوريا)، وبلاد ما بين النهرين (العراق)..
يقول صينيون: وثيقة «الحزام والطريق» تصمم مخططاً عظيماً، وتطرح بناء ثلاثة ارتباطات، هي ارتباط المصير وارتباط المصالح وارتباط المسؤولية بين الدول والمناطق على طول «الحزام والطريق»، وفي الوقت نفسه، تطرح مبادئ ملموسة لبناء «الحزام والطريق»، وهي: الالتزام بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، التمسك بمبادئ التعاون والانفتاح ودور السوق والمنفعة المتبادلة والفوز المشترك، تحقيق تطلعات «الحزام والطريق» عبر التشاور المشترك والبناء المشترك والتعاون المشترك لتشكيل ارتباط المصير.
والحقيقة الأخرى التي يجب أن نضعها أمامنا ونحن نتحدث عن حلف مصالح حيوية وإستراتيجية بين المملكة ودول مجلس التعاون ومصر والأردن والسودان وجيبوتي واليمن وماليزيا من ناحية.. وبين جمهورية الصين الشعبية هي أن أعلى ميزان تبادل تجاري لنا قائم مع الصين.. وأن أكبر مستورد لمنتجاتنا هي الصين.. كما وأن الصين تنظر إلينا بأننا المرتكز المهم لتسويق منتجاتها وإيصالها للأسواق المستهدفة من خلال ما نتمتع به من موقع إستراتيجي يربط قارات العالم القديم ببعضها بعضاً..
وإذا ما وضعنا في الحسبان رؤية المملكة 2030، والقطار المزمع إنشاؤه والذي يربط عدداً من المدن المهمة في دول مجلس التعاون، بالمنطقة الشرقية بالمملكة، وبالمناطق الوسطى والجنوبية، والشمالية، وبمشروع وعد الشمال، وجسر الملك سلمان، مروراً إلى سيناء في مصر ومشروع المنطقة الحرة في شمال سيناء.. فإن ذلك كله يجعلنا الشريك المستقبلي، والحليف الأقوى مع الصين الشعبية.. والتي ما فتئت تسعى بكل جد واجتهاد لتحقيق مشروعها الطموح، والبحث عن شركاء حقيقيون يتمتعون بالنزاهة، ويجمعون بين القوة الاقتصادية والسياسية والتنموية والعسكرية.. ويتوفر لديهم مستوى عال من الأمن والأمان..
قابلت قبل يومين مهندساً كيميائياً سعودياً في الصين.. يتحدث اللغة الصينية بطلاقة، وبلهجة أهلها.. وهو واحد ضمن المئات من الشباب السعوديين خريجي الجامعات الصينية.. وعمل في مصانعها.. تحدثت معه ملياً عن هذه الفكرة.. فكرة أن تُنشئ الصين مصانع لها في شمال المملكة، وفي المنطقة الحرة شمال سيناء بمصر، بحيث تكون هذه المصانع فروعاً للمصانع الأم في الصين، وبدل أن تستورد الصين المواد الأساسية والأولية من المملكة، وتشحنها إلى هناك، ثم تقوم بتصنيعها، ثم إعادة شحنها للمنطقة، لإعادة توزيعها وبيعها.. بدلاً من ذلك تنشئ عدداً من فروع المصانع الأم هنا، وفي مصر.. بشراكة صينية سعودية مصرية.. خاصة وأن اليد المصرية العاملة هي يد ماهرة، وكلفتها لا تختلف كثيراً عن كلفة اليد الصينية.. وكان سؤالي بحكم عمله في المصانع الصينية هو كيف سيستقبل الصينيون هذه الفكرة.. إنشاء مصانع لبعض المنتجات، وإنشاء مستودعات عظيمة لهم في المنطقة لتسويق المنتجات الصينية الأخرى التي تنتج في الصين، وتوزيعها على أوروبا وإفريقيا والمنطقة العربية.. بحيث تكون كلفة إنتاجيتها وتخزينها وتوزيعها أقل.. وبالتالي هامش ربح، ومستوى تنافسية أعلى.. قال لي نصاً: «أجزم أنهم سيرحبون.. فهم يحبون الشراكات، ويسعون لتعليم من يشاركهم أصول حرفتهم الصناعية.. شرط أن يضمنوا البقاء والاستمرارية والديمومة.. يردد الصينيون ذات الحكمة العربية: قليل دائم خير من كثير منقطع.. هكذا قال لي صيني وهو يتحدث عن تفضيله لعقد الصفقات مع التجار السعوديين أكثر من رغبته لعقد الصفقات من التجار الأمريكان!».
الصين اليوم تبحث عن مصالحها الاقتصادية.. وتنظر إليها كمصلحة عليا للدولة.. ونحن كذلك.. وبالتالي فإن مصالحنا الاقتصادية معاً هي أكبر مما نتخيل.. وربما أكبر مما تتوقع الصين نفسها.. ومتى ما تشابكت مصالحنا الاقتصادية العليا فإن هذا سيشكل حلفاً إستراتيجياً سعودياً صينياً مصرياً خليجياً أردنياً سودانياً جيبوتياً مغاربياً ماليزياً متيناً.. قال لي صاحبي الدبلوماسي وقد فهم ما أريد أن أصل إليه في النقاش مع هذا المهندس السعودي: مصالح كهذه إن تحققت، يعني أن المنطقة أصبحت جزءاً لا يتجزء من الأمن القومي الصيني؟! قلت له وأنا أبتسم: ولم لا؟ مرحباً بالصين كحليف إستراتيجي، وقوة عظمى قادمة لا غنى له عنا، ولا غنى لنا عنه..!..
نقلًا عن “الجزيرة” السعودية
اقرأ أيضًا:

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.