شارك

جاءت مستجدات الأوضاع السورية، مما تشهده محافظة “حلب” من هجمات متتابعة من قوات النظام السوري، والتي ندد بها المجتمع الدولي نتيجة استهدافها للمدنيين، لتشير إلى تعقيد الأوضاع في الوقت التي يسعى المجتمع الدولي بكل قوة، لإنجاح جولات المفاوضات بين الفرقاء السوريين.

ويرى محللون ومختصون أن هذه المتغيرات، سوف ترسم خريطة مستقبل الأزمة السورية، لما تمثله “حلب” من مكسب استراتيجي للقوة التي ستنجح في السيطرة عليها.

وبرغم أن القتال الذى تشهده المحافظة المنكوبة، لم يكن الأسوأ في تاريخ الأزمة السورية، إلا أنه وجد صدى قوى في الأوساط العربية والعالمية، خاصة وأن جاء في وقت يطمح فيه المجتمع الدولي لإنهاء الأزمة وتسويتها في إطار من المفاوضات بين النظام وقوى المعارضة المعتدلة.

الفيدرالية هي الأقرب

مع تفاقم الأوضاع السورية، بدأ الأمل في الحل السياسي يتبدد، ويتجه المختصون في الشأن السوري إلى نتائج مستقبلية للوضع هناك، حسب المعطيات المستجدة على الأرض.

ومن هذه التحليلات ما خلص له محمد حمدي مدير تحرير مجلة رؤى مصرية المختصة في الشؤون العربية إحدى إصدرات مؤسسة الأهرام، والذي قال أن الأزمة السورية تجسد صراع اقليمي ما بين إيران وحزب الله والنظام السوري والقوة الحاكمة فى بغداد من جهة، وهو جناح يتخذ من المذهبية شعار لتنفيذ مخططاته في توسيع النفوذ الايراني في المنطقة، وهذا يمتد ليشمل اليمن ودعم الإنقلاب الحوثي على الشرعية، وعلى الجانب الاخر من الصراع هناك المملكة العربية السعودية والتي تملك طرح ومنطق عقلاني منذ بداية الأزمة، حيث رأت ان التغيير وانتقال السلطة سيساهمان فى حل الازمة، لكن الفجوة اتسعت بين الفريقين، خاصة بعد ان استنفذت المملكة ومن يؤيدون موقفها كل جهود الجامعة العربية فى السابق، بعد ان وصلت بها لأعلي سقف، وهو الطموح في تغيير النظام السوري، لكن الجامعة العربية في اشكالية كبيرة في الاساس، حيث لا تستطيع اتخاذ موقف، بعد فشل الأمم المتحدة في تحقيق أي نجاحات فى الملف السوري.

وأضاف حمدي في تصريحات لـ”السعودي” أن جهود الرياض لم تقف عند هذا الحد، بل نجحت فى نقل الملف الى الأمم المتحدة وتدويل القضية، لكن يبدو ان المجتمع الدولي لم يكن مستعد للتعاون مع الرياض، في الوقت الذي كانت تنسحب فيه الولايات المتحده من المنطقة تدريجياً، وتفتح المجال بعض الشئ لايران، كما ان التدخل الروسي لم يكن بعيد عن الموافقة الضمنية الامريكية.

وعن تصاعد الأزمة الحالية التي تشهدها حلب، يرى حمدي ان الروس يريدون نقل الأزمة السورية إلى مرحلة جديدة، لأنهم عجزوا عن كسر ارادة القوى الإقليمية المعارضة لفكرة بقاء الأسد في المرحلة الإنتقالية.

ويشير حمدي إلى أن المعطيات والواقع على الارض، يؤكدا أن سوريا تتجه سريعاً إلى “الفيدرالية”، موضحاً أن سوريا مقسمه فعلياً بين القوى المتصارعة، فبشار الأسد يسيطر فى حدود من 30 الى 40% من مساحة سوريا، والباقي مقسم بين تنظيم داعش وفصائل المعارضة المعتدلة والأكراد، لكن المجتمع الدولي حتى الآن لم يحدد ملامح ولا ترسم الخطوط الفعلية لهذا التقسيم.

وأضاف أن كل طرف يحاول تعظيم انتصاراته، وان يصل الى أفضل الحلول المتوفرة بالنسبه له، عادا الطرف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، الذي يحاول الحافظ علي بقاء سوريا موحده، لكن في ظل الظروف الحالية، يبدو ان كل الأطراف في النهاية لن تجد إلا التسليم بفكرة التقسيم حفاظاً على المصالح وتقسيم النفوذ، لاسيما أن مشروع التقسييم أصبح مصلحة إسرائيلية في سوريا، وهذا ما يروج له في المرحلة الحالية.

وشدد حمدي أن تفاقم الأزمة في سوريا، وسيرها نحو هذا المنحدر، يأتي نتيجة تراخي الدور الامريكي، ورفض كل طرف من الاطراف الصراع ان يتنازل بعض الشئ عن طموحاته في سوريا.

يبدو أن الولايات المتحدة تساند بقاء بشار الاسد من خلال إطالة أمد الأزمة، وتضع القوى الإقليمية المساندة للمعارضة في مأزق بهذه الممارسات المريبة، ويظل بقاء بشار الأسد هو تدمير لسوريا في النهاية.

 بشار المستفيد

أما الدكتورة نورهان الشيخ عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، فقالت إن المستقبل القريب للأزمة السورية لن يكون في صالح المعارضة.

وأوضحت بأن الحل السلمي هو سبيل التسوية الوحيد فى الأزمة السورية، ومن الضروري أن تعود كل الأطراف إلى طاولة المفاوضات، لأن قراءة المشهد بواقعية توضح أن التوازنات على الأرض تتغير، فالجيش السوري يكتسب قوة بدعم من روسيا، التي لن تتخلى عن فكرة محاربة جبهة النصرة و تنظيم داعش أو غيرهم.

وقالت إن خسائر هذه التنظيمات الإرهابية، يضعف بشكل أو بآخر كل القوة المعارضة للنظام.

وترى الشيخ أن حتى اللحظة هناك شبه توازن على الأرض، لكن من الممكن ان يختل هذا التوازن لصالح النظام السوري، وتصبح التسوية في غير صالح المعارضة، وكلما اسرعت المعارضة في تقديم مطالبها وبلورة رؤية واضحة كل ما كان افضل لها، وكلما تأخرت لن تكون التوازنات في صالحها.

وأشارت إلى أن هناك متغير مهم لم يكن موجود في الفترة السابقة، وهو المتغير الاوروبي، حيث أن اوروبا الآن أقرب إلى الموقف الروسي منه إلى الولايات المتحدة، والمهتم بالشأن الاوروبي، قد تابع منذ أيام تبني البرلمان الفرنسي قراراً بضرورة رفع العقوبات المفروضة على روسيا، وجاء هذا القرار بعد أن بدأت الدول الاوروبية تميل بشكل عام الي ضرورة الضرب بكل قوة على العناصر الارهابية، وهو الدور الذي تراه في التدخل الروسي ودعم النظام السوري، والذي يساعدها على تحقيق أمنها الداخلي من وجهة نظرها، كما طالبت بضرورة وقف تقديم الدعم للمعارضة المعتدلة، لأنها تخشي وصول الإمداد والمساعدات العسكرية إلى هذه التنظيمات الإرهابية.

وأكدت الشيخ على أن هذا المتغير الاوروبي، أصبح يمثل أداة ضغط قوية على الولايات المتحدة، خاصة وأن الرئيس الأمريكي باراك اوباما، لا يمتلك الرغبة في الحسم، ولا يريد اتخاذ مواقف راديكالية أو جادة سواء بدعم المعارضة أو غيرها، في الاشهر الباقية من حكمه، لذلك فهو يترك الملف للرئيس القادم للحكم، في ضوء هذه المتغيرات نجد ان هناك حوالي 8 اشهر من جمود القرار الأمريكي وهي الفترة الباقية لحكم أوباما، سوف ينتج عنها تغيرات على الارض.

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.