مريم الكعبي: 833 مليار تكاليف الدماء والفناء

مريم الكعبي: 833 مليار تكاليف الدماء والفناء

شارك

وفقًا لتقرير أصدره المنتدى الاستراتيجي العربي بعنوان “تكلفة الربيع العربي” أن “العالم العربي تكبد خسائر كبيرة نتيجة للأحداث والثورات، التي اندلعت ما بين عامي 2010، و2014، تقدر بأكثر من 3 تريليونات درهم إماراتي (833.7 مليار دولار أمريكي)، شاملة تكلفة إعادة البناء، وخسائر الناتج المحلي، والسياحة، وتكلفة اللاجئين، وخسائر أسواق الأسهم والاستثمارات” إضافة إلى 1.34 مليون قتيل وجريح، نتيجة للحروب والعمليات الإرهابية، لم تقف برامج التوك شو ووسائل الإعلام المختلفة والإعلام الاجتماعي أمام تلك الحقائق المفزعة التي تم رصدها عن حجم الخسائر التي تكبدتها الدول العربية،لم تتناول وسائل الإعلام تلك الحقائق لتحللها وتتحدث عنها، وتقدم للشعوب العربية التي ما زالت تبحث عن الوهم الحقيقة المجردة بأنها لم تكن ثورات ولكنها كانت مؤامرة لتقسيم الوطن العربي ونهب ثرواته وسرقة آثاره وتحويله إلى مناطق صراعات دموية مذهبية وطائفية.

مهما كانت الأسباب التي أدت إلى اندفاع البعض خلف الثورات، أربع سنوات كفيلة بأن نرى الواقع كما هو وليس كما نتخيله، فالفاتورة مخيفة كان من الممكن توجيهها نحو البناء بدلا من هوس الخراب، وكان من الممكن أن تستثمر لبناء الإنسان وللتنمية بدلا من توجيهها نحو إعادة البناء الإعمار، إذا توقفت آثار اللعنة التي حلت بالوطن العربي.

لقد صدر التقرير بالتزامن مع انطلاق أعمال الدورة الثامنة للمنتدى، في إمارة دبي، منذ أكثر من شهر ولكن التقرير لم يثر حفيظة أحد لتحليل مضمونه وتوجيه صفعة الحقائق المروعة إلى المعنيين في أنحاء الوطن العربي ممن مازالوا ينظّرون ويتباكون ويلطمون وينوحون، على من فقدوه من وجهة نظرهم وهي الثورات التي يرون أنها اختطفت تارة ويرون تارة بأن جهات بعينها وقفت في سبيل عدم امتدادها.

ومازال غسيل الأدمغة مستمرًا بحشد الأكاذيب والشائعات وصناعة أعداء للثورات وهي التي ولدت ملعونة، عدوة ذاتية لنفسها، وكانت ستارًا للتآمر على الأمة العربية وتقسيمها ونهب ثرواتها.

مازال المحرضون يدفعون الشعوب إلى مزيد من التهلكة بتزكية نيران الخلاف وتأجيج الفتنة والطائفية والعزف على وتر الدين، وإحياء وهم الخلافة الذي انجرف الشباب العربي خلفه بكل حماس ظنًا منهم بأنه خطاب الوحدة والأمل ولم يعرفوا حقيقة الوهم والطعم الذي أغرق الأمة العربية في حرب استنزاف داخلية للموارد والآثار والإمكانيات، والاقتصاد، وعرضها لإنهيار مقنن لمؤسسات الدولة ومقومات قوتها.

ما يحزن وما يثير الاحتقان ليس الحقيقة التي تتكشف يومًا بعد الآخر ولكن ما يحزن أن رسالة التحريض ما زالت تقوم بدورها كاملًا دون تغيير، وكأن تلك الكوارث التي انهالت على الشعوب العربية ليست كافية لاستنهاض الوعي والمشاعر الوطنية ومعرفة طبيعة المخاطر التي تنذر بالفناء، لأمة بأكملها.

الخطاب الإعلامي مازال يراوح مكانه، دون تغيير بل أن المتتبع للإعلام العربي يجده مشاركًا أساسيًا في عملية التغييب، فمثل تلك الحقائق المروعة والمجردة، تغيب تمامًا عن المشهد الإعلامي الذي يختص بالشباب، والتحليل شأن خاص ببرامج إخبارية وقنوات إخبارية أما فئة الشباب والمراهقين فهم في عالم الترفيه منغمسون، بعيدًا عن حالة الخطر التي تحيط بهم من كل حدب وصوب.

من يتم تجنيدهم في حرب اليوم الموجهة للدول العربية هم الشباب والمراهقين ومن يتم تعبئتهم نفسيًا وعاطفيًا هم الشباب، ومن يتم تسخيرهم لمعركة الموت هم الشباب، ومن تتم مداعبتهم بالوهم وسحرهم بالخيال وتحفيزهم بالجنة وحور العين هم من الشباب، الحقائق المروعة لا توقظ أحدا من سباته ولا تستنهض أحد من غيبوبته، وعملية غسيل الأدمغة مستمرة.

من يغسلون عقول الشباب بالأدلجة الفكرية يقومون بدورهم بدون أية عوائق من أي نوع، بل أننا نقدم لتلك الفئة خدمات خاصة ونحن نغيب الشباب أكثر في أتون ترفيه فارغ على مدارس الساعة يسطح فكرهم ويتلاعب بمشاعرهم، فإذا استفاق الشباب على ما يقدم لهم ورفضوه وجدوا من يتلقفهم من الجماعات التكفيرية التي تختطفهم وتجندهم وتتلاعب بهم لتزيد الفاتورة المدفوعة لثورات الخراب العربي.

وتظل الحقائق المخيفة والفاتورة الباهظة الثمن برهن الاستخدام من قبل المتلاعبون بعقول الشباب يسيرونها بحسب أجندتهم ولا تجد عاقلا يقرأ ويحلل ويدرك ويعي، ويحذر من مزيد من الانزلاق الذي ستكون نتيجته مزيدًا من الفواتير الدموية من الأرواح والمادية من اقتصاد الدول وميزانيتها وأمنها واستقرارها.

نقلًا عن “صوت العرب”

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.