محمد السلمي: ولاية الفقيه وسياسة الأدلجة

محمد السلمي: ولاية الفقيه وسياسة الأدلجة

شارك

من تابع ردة الفعل الرسمية الإيرانية قبل أيام على بيان النيابة العامة الكويتية الذي تحدثت فيه عن تورط ديبلوماسيين إيرانيين يعملون في السفارة الإيرانية في الكويت، وبيان السفارة حول ذلك، يدرك جيدا نمط تفكير الساسة في إيران ومحاولة التذاكي والاعتقاد بأنهم قادرون على مخادعة الجميع

علمتني تجربة فتح موضوعات نقاش مع كثير من الإيرانيين في الداخل والخارج شيئا مهما يمكن خلاله فهم النمط التفكيري للشخصية الإيرانية الفارسية، أو من تم “فرسنته” من الأعراق الأخرى داخل ما يعرف بجغرافية إيران.

شخصيا أميل كثيرا لسماع وجهة النظر المقابلة وإن اختلفت معها؛ لما يقدمه الطرف المقابل من معلومات غير مباشرة عن الطريقة التي يفكر بها والمؤثرات الخارجية، وما استقر في عقله الباطن من صور نمطية أو أحكام مسبقة، أو توجه معين يتم استدعاؤه في مثل هذه الحالات، وبالتالي يتكون لدى المتلقي المدرك للخلفية الثقافية والاجتماعية والسياسية التي ينطلق منها هذا الشخص المقابل كثير من المعطيات والمؤشرات التي تنميّ محصلتنا المعرفية عن المجتمع الذي ينتمي إليه ذلك الشخص.

من هنا، تستطيع استنباط مدى حالة التلقين التي يتعرض لها حتى بنى في مخيلته أفكارا أصبحت عنده حقائق غير قابلة للنقاش، مع أنه قد يكون لا أساس لها من الصحة مطلقا. تجد هذا النوع من الأشخاص يكرر دائما المزاعم ذاتها، حتى وإن قمت بتفنيدها عشرات المرات، ولعل السبب في ذلك يكمن في غيابه عن الواقع، والتطور الذي حدث في الدول المجاورة، مما يتنافى مع تلك الأفكار جملة وتفصيلا.

صديق مهتم بالشأن السياسي ويتابع البرامج السياسية الحوارية يحدثني عن استغرابه الشديد من مداخلات معظم المحللين السياسيين الإيرانيين الذين تتم استضافتهم من بعض القنوات الفضائية الناطقة بالعربية، يذكر هذا الصديق أن أجوبتهم دائما متشابهة وكذلك استراتيجياتهم في التهرب من الإجابات، وكأن شخصا أو جهة ما عملت على تدريبهم على هذا الأسلوب. الحقيقة أن هذه ملاحظة دقيقة إلى حد كبير؛ لأن معظم هؤلاء ينتمي إلى مؤسسات أمنية واستخباراتية في إيران.

من تابع ردة الفعل الرسمية الإيرانية قبل أيام على بيان النيابة العامة الكويتية الذي تحدثت فيه عن تورط ديبلوماسيين إيرانيين يعملون في السفارة الإيرانية في الكويت وبيان السفارة حول ذلك، ثم تصريحات “مرضية أفخم” الناطقة باسم وزارة الخارجية الإيرانية يدرك جيدا نمط تفكير الساسة في إيران ومحاولة التذاكي والاعتقاد بأنهم قادرون على مخادعة الجميع، وبخاصة العرب من خلال بعض المزاعم والادعاءات. كما هو متوقع، نفت إيران أي علاقة لها بخلية حزب الله التي تم كشفها في منطقة العبدلي الكويتية، كما كذبت بيان النيابة العامة وبيان وزارة الخارجية الكويتية معا، ولكن الأهم من ذلك محاولة لفت انتباه الشارع الإيراني والإعلام العربي أيضا إلى فكرة اختلقتها إيران تتمثل في الترويج لفكرة المؤامرة لتتحول من مذنب إلى مظلوم. تزعم طهران أن هناك دولة خليجية “السعودية حسب زعمها” تسعى إلى إفساد العلاقة بين الكويت وطهران، وأنها تقف خلف قضية العبدلي، واتهام إيران بالتورط في ذلك، وأن الرياض تسعى إلى السيطرة على الكويت! كذلك صرح رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني بأن السعودية تستهدف ما تطلق عليه إيران “محور المقاومة”، وأن اتهامات البحرين حول تورط إيران في شؤونها الداخلية مضحكة، واتهامات الكويت تأتي من باب الحقد ضد حزب الله.

وعلاوة على تدخلها في الشأن الداخلي الكويتي والبحريني، ومحاولة زعزعة الأمن والاستقرار في هاتين الدولتين، أساءت هذه التصريحات الإيرانية للكويت مجددا من خلال اتهام السلطات الكويتية بتلقي الأوامر من الخارج ليس ذلك وحسب، بل وأن الكويت بقدر من السذاجة جعلها تنخدع بمؤامرة دولة خليجية تسعى إلى ابتلاعها.

من المؤكد أن القارئ الكريم يتساءل بعد قراءة هذه التصريحات الإيرانية: من سيصدق هذه الخزعبلات، ومن سيعتقد في الداخل العربي أن إيران لا تتدخل في شؤونه الداخلية؟ لا شك أن هذا سؤال منطقي جدا لكل من يترك مساحة للتفكير الحر والمنطقي، ولكن عندما تتم محاولة السيطرة على تفكير مجتمع أو شعب كامل وتطبيق قاعدة “لا أريكم إلا ما أرى”، وبالتالي الحيلولة دون وصول المواطن الإيراني إلى مصادر المعلومات الحرة التي قد تتعارض مع الأسلوب التلقيني الذي يتخذه النظام الإيراني منهجا له، من خلال حجب مواقع التواصل الاجتماعي مثل “تويتر” و”فيسبوك” و”يوتيوب” ومنع الصحون اللاقطة “الدشوش” وإقرار ما يسمى في إيران بـ”الإنترنت الوطنية” التي تعزل المجتمع الإيراني عن الشبكة العالمية، ومن هنا الانفصال عن العالم الخارجي، فإن النتيجة الحتمية والمحصلة النهائية ستكون القبول والتصديق بكل ما يصدر من آلة التلقين الحكومية، وتجهيل الشعب حتى وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة.

هذا الأسلوب في إدارة البلاد، قاد المجتمع الإيراني إلى تقمص شخصية تتوافق مع التوجه الحكومي ولا تتعارض معه، خشية الاعتقال والبطش والتنكيل، إضافة إلى شخصيته الطبيعية التي تظهر خلف الأبواب المغلقة أو عندما يسافر المواطن الإيراني إلى خارج البلاد، ومن تعايش مع الإيرانيين في الغرب، حتى وإن كانوا قد وصلوا حديثا من إيران، يجد التناقض الرهيب بين ذلك الشخص والشخصية الإيرانية التي تخرج في وسائل الإعلام المحلية، أو سلوك الشخصيات المرتبطة بالنظام الإيراني بشكل أو بآخر.

نقلاً الوطن أون لاين

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.