شارك

اليوم الاثنين تمر الذكرى المئوية لاتفاقية “سايكس بيكو”، وهي المناسبة التي دفعت العديد من المراكز البحثية في الولايات المتحدة وغيرها لعقد الندوات والمؤتمرات، ناهيك عن البيانات التي يصدرها تنظيم “داعش”، ووضع خلالها الدبلوماسي البريطاني مارك سايكس، ونظيره الفرنسي فرانسوا بيكو الخطوط العريضة لتقسيم الدولة العثمانية، لخلق دول جديدة، كالعراق وسوريا ولبنان والأردن، لتصبح تلك الدول قلب الفوضى في الشرق الأوسط، بحسب الكاتب الأمريكي جاكسون ديل.

وأضاف الكاتب، في مقاله بصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، أن ذكرى “سايكس بيكو” ربما تثير الجدل حول ما يمكن، أو ربما ما ينبغي فعله تجاه حالة الفوضى الراهنة، خاصة بعد القضاء على تنظيم داعش الإرهابي عسكريا، حيث تدور التساؤلات حول إمكانية احتفاظ دول، على غرار سوريا والعراق، بحدودهما وأنظمتهما السياسية المركزية، رغم الصراعات التي تشهدها الطوائف والمجموعات العرقية المكونة لتلك الدول لعقود طويلة من الزمن، وكذلك يدور الحديث عن مستقبل لبنان في ظل حالة الجمود السياسي التي جعلت من فكرة تقاسم السلطة أمرا مستحيلا في المرحلة الراهنة.

أكثر عنفا

ليس من المستغرب على الإطلاق أن نجد خلافات كبيرة حول مثل هذه القضايا، هكذا يقول الكاتب الأمريكي، إذ يرى قطاع واسع أنه ينبغي الحفاظ على سوريا والعراق كدول قومية، خاصة وأن الصراعات الطائفية لها جذور تعود لما قبل “سايكس بيكو”، كما أن إعادة ترسيم الحدود لن يؤدي إلى خلق كيانات متجانسة تماما، بل ربما يفتح الباب أمام صراعات أكثر عنف خلال المرحلة المقبلة.

في حين يرى فريق آخر أنه من الحماقة أن تستمر تلك الدول على وضعها الحالي، بحسب الكاتب، في ظل مستجدات على الأرض، منها على سبيل المثال توجه قادة إقليم كردستان العراق نحو اتخاذ خطوات جدية لتحقيق الاستقلال، بجانب حالة الفشل العملي للحكومة العراقية في إيجاد قواسم مشتركة تجمع بين الطوائف المتصارعة، في الوقت الذي تمكن “داعش” من إزالة الحدود عمليا بين سوريا والعراق، ليفصل فعليا بين المناطق ذات الأغلبية السنية عن المناطق الأخرى.

وصاية أممية

وأوضح الكاتب الأمريكي أن الجدل لم يتوقف عند هذا الحد، بل امتد كذلك للدور الذي يمكن أن تلعبه القوى الغربية في هذا الإطار، لافتًا إلى أن فريقا من القادة والمفكرين العرب يرون أن الغرب ينبغي أن يبقى بعيدا عن هذا الجدل، خاصة وأن أحفاد المستعمرين سايكس وبيكو، ومن بينهم الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، قد فعلوا ما يكفي لتدمير المنطقة، بينما يرى آخرون أن التدخل الغربي يبقى ضرورة لإنهاء الأزمة في المنطقة، ليس من خلال الغزو، ولكن ربما عن طريق فرض وصاية الأمم المتحدة، على غرار ما حدث مع يوغوسلافيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

السياسة الأمريكية تحت إدارة الرئيس باراك أوباما اتجهت نحو الابتعاد عن المنطقة، بحسب الكاتب، حيث ركزت الإدارة الحالية منذ وصولها إلى السلطة في 2009، على قصر السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط على تحقيق مصالح واشنطن، ففي العراق تدعم أمريكا حكومة حيدر العبادي، حتى تقدم غطاء سياسي للجهود التي تهدف في الأساس لاستعادة مدينة الموصل من براثن “داعش”.

غياب التوافق الدولي

وأضاف الكاتب أن السياسة الأمريكية في العراق هي نفسها في سوريا، موضحًا أن وزير الخارجية جون كيري يسعى للترويج لسراب الحكومة الانتقالية في دمشق، على أمل توحيد النظام السوري، برئاسة بشار الأسد، والذي ارتكب جريمة الإبادة الجماعية بحق خصومه، ليكون النهج الأمريكي بمثابة الأمل الوحيد من أجل تشكيل قوة عربية كردية يمكن من خلالها القضاء على تنظيم داعش، والتقدم لتحرير مدينة الرقة السورية التي تعد بمثابة عاصمة التنظيم المتطرف.

النهج الأمريكي، والذي يقوم على قصر التدخل في شؤون المنطقة إلى الحد الأدنى لتحقيق المصالح الأمريكية فقط، أعاق الوصول إلى توافق دولي حول مستقبل البلدين، بحسب الكاتب، ففي الوقت الذي تجهز واشنطن حملة عسكرية للقضاء على التنظيم المتطرف وتحرير المدن التي يسيطر عليها، فإنه لا توجد خطة واقعية لحدود الهياكل السياسية التي سوف تحل محلها خلال مرحلة ما بعد داعش، الأمر الذي يجعل بعض المشاركين المحتملين في العملية العسكرية، مثل الأكراد، يحجمون عن المضي قدما، وبالتالي لا تتحقق الأهداف الضيقة التي يسعى لأوباما لتحقيقها.

واختتم الكاتب مقاله بالقول إن العديد من المحللين يرون استحالة بقاء سوريا والعراق بشكلهما الحالي، وسوف يتحولان إلى اتحادات فضفاضة، على غرار البوسنة في أعقاب الحرب اليوغوسلافية، الأمر الذي لن يتحقق دون مشاركة أوباما، ما يعني أنه ربما يكون خليفة جديدة للدبلوماسيين الغربيين سايكس وبيكو خلال المرحلة المقبلة.

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.