شارك

لأكثر من نصف قرن من الزمان، كان الاقتصاد العالمي بمثابة رهينة لدولة واحدة، وهي السعودية، بسبب احتياطاتها النفطية الضخمة، والتي فتحت الباب أمامها للتحكم في اقتصادات القوى الصناعية العظمى في العالم، والتي تعتمد على النفط كمصدر رئيسي للطاقة، بحسب ما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، وهو ما ساعد المملكة على القيام بدور كبير في أرجحة النظام الاقتصاد العالمي من خلال زيادة وخفض إنتاجها النفطي تبعا لإرادتها.

وأضافت الصحيفة أن قيمة النفط، كسلاح تستخدمه المملكة، ظهر بوضوح خلال حرب أكتوبر 1973، عندما قرر آل سعود وقف شحنات النفط التي يتم توريدها للغرب فجأة، عقابا للدعم الأمريكي لإسرائيل، وهو الأمر الذي ساهم بصورة كبيرة في رفع أسعار النفط أربعة أضعاف دفعة واحدة، مما تسبب في صدمة كبيرة للاقتصادات العالمية التي تعتمد بصورة كبيرة على النفط، دفعت إلى ارتفاع تكلفة المعيشة وزيادة نسبة البطالة، تنامي حالة السخط الاجتماعي.

تهديد أمني

الغرب ربما تناسى الدرس الذي لقنته المملكة للعالم في أكتوبر 1973، ربما بسبب تغير الهيكل الاقتصادي للدول الغربية، وبالتالي قلة اعتمادها على النفط بصورة ما، بحسب الصحيفة الأمريكية، إلا أن السبب الرئيسي في هذا الإطار يرجع في الأساس إلى أن الاقتصاد الغربي لم يعد هدفا للمملكة كما كانت في الماضي، وبالتالي اتجهت لتحويل سلاح النفط في وجه خصوم آخرين، تراهم المملكة بمثابة تهديد حقيقي لأمنهم

وأضافت “نيويورك تايمز” أن السعودية قررت أن تجعل النفط سلاح مرة أخرى في السنوات الأخيرة، ولكن في معركة جديدة ومختلفة عن تلك التي شهدها العالم في 1973، حيث تسعى السعودية لاستخدام النفط كسلاح لتقوض الاقتصاد الإيراني، في إطار المعركة بين المملكة وحلفائها السنة من جانب، وإيران التي تقود العالم الشيعي في منطقة الشرق الأوسط خلال المرحلة الراهنة.

ليست جديدة

السياسة السعودية تجاه خصمها الإقليمي التاريخي ليست وليدة اللحظة، هكذا تقول الصحيفة الأمريكية، حيث سبق وأن حذر نواف عبيد، وهو يعمل كمستشار أمني بالمملكة، في عام 2006، من جراء السياسات الإيرانية التي تقوم على دعم الميليشيات الشيعية في العراق ولبنان، حيث أكد أن بلاده قادرة على خنق الاقتصاد الإيراني من خلال زيادة المعروض من النفط، وبالتالي تقويض أسعار السلعة التي يقوم عليها الاقتصاد الإيراني بصورة كبيرة.

وأضافت الصحيفة الأمريكية أن التهديدات السعودية لم تتوقف عند هذا الحد، حيث كرر رئيس جهاز الاستخبارات السعودي السابق الأمير تركي الفيصل تلك التلميحات في 2011، وذلك خلال لقائه مع قادة حلف شمال الأطلسي “الناتو”، حيث أعرب عن نية بلاده إغراق أسواق النفط العالمية، من أجل زعزعة الاستقرار في الداخل الإيراني، وبعد ثلاثة سنوات، سار السعوديون على نفس النهج، ولكن على ما يبدو لم يستطيعوا إحكام السيطرة على الأمر.

أهداف أخرى

ربما كانت السياسة النفطية التي تبنتها السعودية منذ عام 2014، لها العديد من الأهداف، هكذا تستطرد الصحيفة، من بينها تقويض صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة، ولكن يبقى الهدف الرئيسي من السياسة السعودية هو الإضرار بالاقتصاد الإيراني، خاصة بعد المفاوضات الإيرانية الدولية، التي أسفرت عن الاتفاق النووي الذي تم توقيعه في يوليو الماضي، والذي أدى لرفع العقوبات الدولية المفروضة على طهران في يناير الماضي في أعقاب دخول الاتفاق لحيز النفاذ.

وأضافت الصحيفة الأمريكية أن النهج السعودي كان مؤثرا بصورة كبيرة في الماضي، ولعل المثال الأبرز في هذا الإطار هو قيام السعودية بإغراق أسواق النفط في 1977، وذلك للحد من زيادة النفوذ الإيراني الذي توسع كثيرا في تلك الحقبة، وهو ما أسفر في النهاية لانهيار الاقتصاد الإيراني، وكان سببا رئيسيا في قيام الثورة الإيرانية في عام 1979، لتفتح الباب أمام قيام دولة دينية في طهران لتحل محل النظام الملكي الموالي للغرب.

تداعيات سلبية

انهيار أسعار النفط أيضا ساهم بصورة كبيرة في انهيار الاتحاد السوفيتي، بحسب “نيويورك تايمز” وذلك إبان نهاية الحرب الباردة، حيث انتهجت السعودية نفس السياسة النفطية خلال عامي 1985 و1986، وهو ما أدى لدفع الاقتصاد السوفيتي إلى حالة من الفوضى خلال تلك المرحلة.

إلا أن انهيار أسعار النفط في هذه المرة ربما كان مختلفا بصورة كبيرة، بحسب الصحيفة، حيث أن المسئولين السعوديين أنفسهم لم يتوقعوا يوما ما أن يصل سعر برميل النفط إلى أقل من 60 دولار، وهو ما أفقد قادة المملكة سيطرتهم على سوق النفط بصورة كبيرة، وبالتالي لم تنجو المملكة نفسها من جراء التداعيات السلبية لسياساتها النفطية.

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.