شارك

القرار الذي اتخذته حركة النهضة التونسية بفصل الدين عن السياسة ربما يثير التساؤلات حول ما إذا كانت جماعة الإخوان في مصر سوف تسير على نفس النهج أم لا. هكذا استهلت صحيفة “واشنطن بوست” تقرير لها حول مستقبل الجماعة، في ظل إيمان قطاع كبير من المتابعين والمهتمين بشؤونها بأن الظروف الراهنة ينبغي أن تدفع قادتها للتفكير في اتخاذ خطوة مماثلة.

وذكرت الصحيفة الأمريكية أن عددا من قيادات الجماعة وأعضاءها في الخارج أكدوا على ضرورة فصل الأنشطة الدينية عن الممارسات السياسية في المرحلة المقبلة، بينما رفض آخرون مجرد طرح الفكرة باعتبارها غير واقعية، ولكن بعيدا عن هذا الجدل الدائر، فإن التنظيم يواجه في الأساس العديد من العقبات التي ربما تمنعه من التوصل إلى قرار مماثل للقرار الذي سبقت إليه حركة النهضة في تونس، بحسب “واشنطن بوست”.

دعوات فصل الدين عن السياسة في جماعة الإخوان ليست بالشيء الجديد، هكذا تقول الصحيفة، موضحة أن شخصيات إسلامية، مثل محمد سليم العوا، وطارق البشري وعبد الله النفيسي، طالبوا الجماعة بترك السياسة والتركيز على الدعوة الدينية، مشيرة إلى أن هذه الدعاوى كانت السبب الرئيسي في انفصال حزب الوسط عن الإخوان في التسعينات من القرن الماضي.

وبحسب الصحيفة، يبدو أن هناك خللًا داخل الكيان التنظيمي للجماعة منذ تأسيسها عام 1928على يد حسن البنا، موضحة أن المؤسس لم ينشئ الجماعة باعتبارها منظمة دينية، ولكن كحركة سياسية بهدف تغيير النظام السياسي والاجتماعي السائد إلى نظام إسلامي.

وقالت “واشنطن بوست” إن الجماعة انخرطت في السياسة اليومية منذ الأربعينات، موضحة أن الخلط بين الدين والسياسة لم يكن بالأمر الغريب على أعضائها، بل تباهت جماعة الإخوان بهذا الخلط باعتباره جزء أصيل من أيديولوجيتها الشاملة، التزاما بالنهج الذي رسمه البنا للجماعة.

عقبة أخرى تواجهها الجماعة في المرحلة الراهنة ألا وهي التلقين الإيديولوجي، بحسب “واشنطن بوست”، حيث تبنى الإخوان برنامجًا مسيسا للغاية يهدف إلى المحافظة على مشاركة الأعضاء في الحياة السياسية اليومية، الأمر الذي يعزز برامج التلقين لبعض القيم التي تتجاوز الدين وتساعد في خلق هوية سياسية. كما أن الجماعة تدرّب أعضاءها لكي لا يكونوا دعاة فحسب ولكن أيضًا ناشطين اجتماعيين وسياسيين، وبالتالي فإن التخلي عن السياسة يعد بمثابة تغييرًا أساسيًا في برامج التنشئة الاجتماعية التي يتبناها التنظيم، وهو أمر لا يمكن أن يحدث بسهولة.

وأوضحت الصحيفة أن العقبة الثالثة التي تواجه الجماعة في هذا الإطار تتمثل في هيكلها التنظيمي، إذ عادة ما يتم الثناء على هيكل الجماعة المتماسك والمنضبط، الذي مكّنها من الصمود أمام قمع النظام لعقود من الزمن، ورغم ذلك فإن هذا الهيكل ربما يؤدي إلى نتائج عكسية.

 بعد يناير 2011، أنشأت الجماعة في مصر حزب الحرية والعدالة، الذي كان كيانًا “إخوانيا” بالأساس لعدم وجود أعضاء بالحزب من خارج الجماعة، وبالتالي اختفت تماما الخطوط الفاصلة بينهما، ليكون الحزب مجرد ذراع سياسي للجماعة، ليس أكثر.

إذا قرّر الإخوان التحول إلى جماعة دينية فقط، ستفقد الجماعة تميّزها في السوق الديني، هكذا تقول الصحيفة الأمريكية، ما دفع قطاع كبير من أعضاء الجماعة وقيادتها لرفض الفصل بين الدين والسياسة، واعتبروها شكلا من أشكال العلمانية، وأن أية خطوة في هذا الشأن سوف تؤدي إلى انشقاق الكثير من أعضائها خاصة في المناطق الريفية.

إن تصور الإخوان دون نشاط سياسي يعد دربا من الخيال، بحسب الصحيفة، مشيرة إلى ما قاله القيادي عمرو دراج في حواره مع “المونيتور” من أن “الجماعة لا ينبغي أن تتخلى عن السياسة، ولكن لا يجب أن تنغمس في منافسة مع الأحزاب الأخرى”.

واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول إن أي محاولة لفصل الدين عن السياسة تتطلب تغييرات أساسية داخل الجماعة، في البرامج الأيديولوجية والاجتماعية للإخوان، وهو أمر من غير المحتمل أن يحدث في المستقبل المنظور.

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.