محمد المزيني: هل «داعش» أسطورة نفخنا فيها الوهم؟

محمد المزيني: هل «داعش» أسطورة نفخنا فيها الوهم؟

شارك

لا نستطيع أن ننسب يقيناً كل التفجيرات والجرائم الإرهابية التي تحدث بيننا وفي مناطق مختلفة من العالم إلى جماعة إرهابية واحدة، حتى لو تبناها الإعلام الداعشي، وكذلك لا نستطيع أن ننفي، فنحن ما نزال عاجزين عن تحديد مصدر كل هذه العمليات الإرهابية، وإن كان لداعش منها نصيب.

أيام القاعدة كان ابن لادن بنفسه يعلن على الملأ اضطلاع جماعته بكل عملية إرهابية تحدث آنذاك، ومع ذلك كانت الشكوك تواكب هذه الادعاءات، ورأينا واستمعنا إلى من ينفي نسبة كثير من العمليات الإرهابية الكبيرة والاحترافية إلى القاعدة، من هؤلاء رجال مخابرات وساسة مخضرمون لديهم الخبرة الكافية بقدرات هذه الجماعات الإرهابية.

أما نحن – المجردين من كل معلومة أكيدة – فليس أمامنا سوى وضعها في سلة «داعش». نعم، «داعش» خلية إرهابية إجرامية تتخذ من الدين «حصان طروادة» لتقنع السذج بالانتماء إليها، ثم تستخدمهم كحجارة منجنيق لتدمير القيم قبل الأرواح والممتلكات، إلا أننا حتى اليوم نصدق كل ما يصل إلينا من الإعلام الداعشي ليس غير! لم نسأل أنفسنا عن قدرات «داعش» على التجنيد الخارجي للقيام بأعمال نوعية، في حين أنه يُحاصَر اليوم من كل جانب ويُدَك من كل جهة.

في رأيكم، أولاً: ما هي التقنيات المؤثرة التي تفوق فيها «داعش» على كل أنظمة العالم لتجند من تشاء عن بعد، بما في ذلك متعلمون من مهندسين وأطباء وحتى فلاسفة؟ ثانياً: لمَ نجح تنظيم «داعش» في تجنيد حتى غير المسلمين، ليحيلهم وقوداً لحربه الفاشية؟ ثالثاً: كيف يستطيع هذا التنظيم ببساطة وسرية فائقة وفي وقت وجيز تجنيد الرجال والنساء على حد سواء، ويدفع بهم وهم في منازلهم لارتكاب جرائم إرهابية لم ترد على عقل بشر؟ رابعاً: هل تريدون إقناعنا بأن البغدادي أقدر من المخابرات على تجنيد جماعته، هل سنسمح لعقولنا بتصديق هذا؟ هذه الأسئلة وغيرها يجب أن تخرجنا من حيز الاستسلام لدعاية تنظيم «داعش» وقدراته الفذة على التجنيد والتدمير. نعم، نحن نفهم جيداً حماسة الشباب، ونعلم يقيناً كذلك أن كثيراً ممن ذهبوا إلى هناك أوقعوا أنفسهم في ورطة لا يحسدون عليها، إذ اكتشفوا أن الأمر ليس كما يساق لهم، ولكن بعد فوات الأوان وانقطاع خط الرجعة أمامهم.

حقيقة، كل ما نخشاه أمام هذا التضخيم الدعائي لداعش أن ينسب كل عمل إجرامي إليه، فما حدث في العاصمة البنغالية دكا يكشف هذه الحقيقة المرة، فالإرهابيون الذين هاجموا المقهى الإسباني مطلع هذا الأسبوع ليس لهم أدنى علاقة بداعش، كما ادعى التنظيم، وهذا ما أكدته السلطات البنغلاديشية.

اليوم، نحن في أمس الحاجة إلى مؤسسات أمنية ومراكز بحثية مختصة، تضطلع بمسؤولية البحث والتقصي عن مصادر ما يجري، فغياب هذه المراكز كبدنا أضراراً جسيمةً وخسائر فادحة على كل الأصعدة.

تعالوا معي لنحصي سريعاً كم الأزمات التي أضنتنا ردحاً من الزمن وماتزال، من دون فهم وإدراك سديد لما يقبع خلفها، سوى مجرد آراء واستقراءات «لا تسمن ولا تغني من جوع»، بدأت «لفَّ» حبالها حول أعناقنا منذ عام 1401، من شرارة الفتنة الجهيمانية الأولى، مروراً بحرب أفغانستان ونشوء جماعات الصحوة على اختلافها وتنوعها، ثم غزو العراق للكويت، وما تلاها من تداعيات الإرهاب وضلوع القاعدة بمؤامرة تدمير العالم، ليتسلم تنظيم «داعش» أخيراً هذا الملف الأسود المضرج بالدماء، حتى آلت الأمور إلى ما هي عليه.

مع الأسف، نحن نتناول الكارثة، بمثل ما نتعاطى مع الظاهرة، بكثير من التسطيح «والله يعوض»، ونقف مشدوهين بانتظار ما سيأتي… وماذا سيأتي من خلف أسوار العالم من أزمات؟ ونحن مستلقون في فرشنا، في حين يتسابق هذا العالم لتحقيق أكبر حصة من المكاسب من تحت مصائبنا، ليؤمن مستقبل أجياله، وجامعاتنا ومراكزنا البحثية الكثيرة تستمرئ القعود كالعاجز على «مصطبة» الانتظار بعيون حائرة تخمن لأخذنا إلى فضاءات مختلفة.

يجب أن يوقف ذلك الهدر للأموال والطاقات في أبحاث ودراسات لا تحقق مكاسب، تلك التي تعتمد «القص واللصق» والشروح والتأويلات المكررة، ثم ماذا بعد؟ تحفظ على الأرفف!

نعيب على مفكرينا وإعلامنا أن يتشاغلوا بقضايا خلَّفها العالم منذ قرون، مثل: هل الغناء حلال أم حرام؟ ما هو حجاب المرأة؟ هل تسافر بمحرم أم من دونه؟ هل يُسمح لها بلسكن منفردة في فندق البطحاء أو ماريوت؟ هل سيسمح للمرأة بقيادة السيارة، ومتى؟

«إن الله لا يغير ما بقوم…»، والتغيير ليس بالخطب والمواعظ ولقاءات الهواء والتبريرات، التغيير يبدأ بالتعاطي مع الأحداث والمستجدات بحجمها الحقيقي آلياً، كهذا الإرهاب الذي يضرب أطنابه فينا ويستدرج ضحاياه من شبّاننا ويوسع دائرته شيئاً فشيئاً.

نقلًا عن “الحياة”

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.