شارك

كان فاليري جيسكار ديستان أول من أعرب عن رفضه الصريح لفكرة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2002، حيث أن الأمر ليس مجرد مسألة وقت حتى يتمكن الأتراك من تعديل ثقافتهم السياسية أو تحقيق المواءمة الاقتصادية والقانونية، وبالتالي فكان الأمر بالنسبة لديستان أن انضمام هذه الدولة المسلمة غير الأوروبية للإتحاد الأوروبي هو بمثابة النهاية بالنسبة له، بحسب الكاتب البريطاني جون كاسي.

وأضاف الكاتب البريطاني، في مقال له بصحيفة الإندبندنت البريطانية أن الصراحة الفريدة التي أبداها الأب الروحي للاتحاد الأوروبي افتقدها الكثير من الزعماء الأوروبيين الأخرين، والذين التزموا الصمت على الرغم من تحفظهم على فكرة دخول الأتراك للاتحاد الأوروبي، ربما تأتي الأقدار بما يمنع نجاح المسعى التركي خلال المرحلة المقبلة.

شخص أخر كان يتسم بنفس الصراحة التي أبداها جيسكار ديستان، وهو البابا بنديكت السادس عشر، بحسب الكاتب، حيث أكد في تصريح له عام 2004 ان دخول تركيا للاتحاد الأوروبي وهو بمثابة انتصار للاقتصادي على الثقافة، وبالتالي كان أحد أبرز الدعاة لفكرة أن يتم الإشارة إلى الإرث المسيحي في الدستور الأوروبي، وهو الأمر الذي لم يتم قبوله على اعتبار أن الاتحاد الأوروبي يعتنق الفكر العلماني وليس الديني.

وأضاف الكاتب أن رؤية بابا الفاتيكان السابق تعكس بعدا جديدا للعلاقة مع تركيا، يتمثل في الجانب الثقافي، حيث أن تركيا دائما ما ينظر إليها من الناحية الاستراتيجية، حيث لعبت دورا كبيرا في غزو العراق، بالإضافة لكونها أحد أهم أصدقاء إسرائيل في المنطقة، كما أنها دولة علمانية ذو أغلبية مسلمة، حتى أنها أعدمت أحد رؤساء الوزراء وأطاحت بحكومتين أخريتين لأنهم لم يكونوا بالعلمانية الكافية.

إلا أن المعضلة الرئيسية الان تتمثل في أن أوروبا الان لم تعد أمام تلك الدولة العلمانية، ولكنها في الواقع أصبحت دولة تتجه نحو أسلمة مؤسساتها، هكذا يقول الكاتب، في ظل حالة من الحنين لعهد الامبراطورية العثمانية، بل وأن سياساتها تتوافق مع السياسات التي تتبناها المملكة العربية السعودية، والتي تسعى لإسقاط النظام السوري برئاسة الرئيس السوري بشار الأسد لأسباب تأتي في إطار الصراع السني الشيعي في المنطقة.

المسألة التركية تبدو إلى حد كبير أكثر تعقيدا من الشكوك التي يرفعها قطاع كبير من البريطانيين، حول مستقبل الاتحاد خلال المرحلة المقبلة، بحسب الكاتب، حيث أن السؤال الذي ربما يثور في هذا الإطار يدور حول كيفية بقاء الاتحاد قويا أو ذو تأثير، في الوقت الذي تختلف فيه اللغة بين أعضاء، وكذلك في ظل حالة من التنوع الثقافي بالإضافة كذلك لاختلاف التقاليد السياسية والقانونية بين الدول الأعضاء.

وأووضح الكاتب في ختام مقاله أن التوجه التركي نحو استخدام قضية اللاجئين من أجل إجبار القوى الأوروبية لقبول تركيا في عضوية الاتحاد ربما يفرض تحديا جديدا في هذا الإطار، في ظل الخلافات الكبيرة بين الأتراك وباقي الدول، على المستوى الجغرافي، وربما كذلك على المستوى الاقتصادي والسياسي، ناهيك عن النهج الغير ديمقراطي الذي تتبناه الحكومة التركية في الاونة الراهنة والخلافات الكبيرة فيما يخص التعامل مع الأكراد وكذلك الأقاويل حول الدعم التركي لداعش.

واختتم الكاتب مقاله بالقول أن تركيا ليست جزءا من أوروبا، هكذا يقول تاريخ القارة العجوز، وبالتالي لا يمكن الانقلاب على تلك الحقيقة من أجل حل مشكلة اللاجئين، خاصة وأن الأتراك في كل الأحول لن يكونوا الطرف الموثوق به من حيث امكانية تقديم حلول حقيقية لتلك المعضلة.

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.