شارك

حالة من الاستياء تسود المملكة العربية السعودية من جراء السياسات التي تتبناها الولايات المتحدة خلال عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، حيث أن قادة المملكة ينظرون إلى الرئيس الأمريكي باعتباره قد انتهك قواعد اللعبة التي كانت تحكم التحالف بين البلدين لعقود طويلة، بحسب ما ذكر الكاتبان الأمريكيان بيرنارد هايكل وستيفين هيرتوج، والتي كانت تقوم على تقديم الدعم الأمريكي للمملكة على المستوى الأمني، مقابل الحصول على النفط السعودي وكذلك دعم الهيمنة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.

وأضاف الكاتبان، في مقال منشور لهما بصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أن أوباما هو بمثابة خائن للمصالح السعودية من وجهة نظر حكام المملكة، خاصة بعد توجهه نحو التقارب مع خصمهم التاريخي، إيران، وذلك بعد أن قدم الدعم الكامل للاتفاق النووي الذي وقعته الدولة الفارسية مع القوى الدولية الكبرى في يوليو الماضي، وهو الاتفاق الذي دفع باتجاه إخراج طهران عن عزلتها الدولية اقتصاديا وسياسيا، خاصة بعد أن دخل حيز النفاذ في يناير الماضي.

خطوات منفردة

ومن هنا كان الخيار السعودي واضحا، هكذا قال الكاتبان، حيث توجهت المملكة نحو عدم الاعتماد على حليفها الموثوق به لعقود طويلة من الزمن، وبالتالي بدأت في اتخاذ خطوات أحادية الجانب منفردة كقوى إقليمية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن الواقع ربما لم يكون في صالح الولايات المتحدة في هذا الصدد.

واستطرد الكاتبان الأمريكيان، واللذان يعملان كأساتذة متخصصين في العلوم السياسية، أن المملكة العربية السعودية ربما لا تستطيع بمفردها الوقوف أمام إيران عسكريا، كما أنها كذلك لا يمكنها تحقيق الإصلاح الاقتصادي مع زيادة الصراعات الإقليمية الدامية، وبالتالي فإن الفشل السعودي في أي من الجبهتين، سواء السياسية أو الاقتصادية، سوف يجر الولايات المتحدة مجددا إلى المنطقة عسكريا، وهو ما يتعارض كليا مع التوجهات التي تبناها الرئيس أوباما منذ دخوله البيت الأبيض في عام 2009.

توبيخ أوباما

مشهد استقبال الرئيس الأمريكي باراك أوباما في المطار إبان وصوله إلى المملكة العربية السعودية من قبل أمير الرياض نائبا عن العاهل السعودي هو أحد المشاهد الهامة التي تبرز حالة الاستياء السعودي من إدارة أوباما، بحسب الكاتبان، حيث كان هذا الاستقبال بمثابة توبيخ لأوباما، إلا أن الأمر ربما لا يقتصر الإدارة الأمريكية الحالية، حيث كانت بوادر الخلاف السعودي الأمريكي قد ظهر في مرحلة تسبق وصول أوباما للرئاسة في بلاده وإن كانت جزئية.

وأوضح الكاتبان أن توتر العلاقات بين الحليفين التاريخيين يعود بجذوره إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر، في ظل زعم تورط 15 مواطن سعودي في الحادث، حيث تزامنت الزيارة التي أجراها أوباما للمملكة مع مشروع القانون الذي يدرسه الكونجرس للسماح بملاحقة الحكومة السعودية قضائيا أمام المحاكم الأمريكية، ربما لتوصيل رسالة مفادها أن التوتر بين البلدين لا يقتصر على وجود أوباما على رأس السلطة في بلاده.

القوة العسكرية

إلا أنه بالرغم من ذلك، يقول الكاتبان الأمريكيان، إن السعوديين مازالوا مقتنعين أن إدارة أوباما تعد المسئول الأول عن ضعف التحالف بين البلدين بصورة كبيرة، منذ انسحاب القوات الأمريكية في العراق في 2010، لتفتح الباب أمام وصول رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي إلى السلطة، لتضع الولايات المتحدة السنة في العراق تحت رحمة السياسة الطائفية التي تبناها المالكي، ثم جاء الاتفاق مع إيران ليكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.

وأشار هايكل وهيرتوج في مقالهما إلى أن تلك السياسات الأمريكية دفعت المملكة، في ظل الطموحات الكبيرة للملك سلمان ونجله، لاستخدام القوة العسكرية لتحقيق أهداف بلادهما، وذلك في الوقت الذي تغير فيه الولايات المتحدة نهجها من خلال الاستخدام الانتقائي للقوة العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، لتكون النتيجة في النهاية هي المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة.

تحول جذري

السعوديون وغيرهم كانوا دائما ما يشتكون من جراء حالة العجز الذي تعانيه عملية صناعة القرار في المملكة، هكذا قال الكاتبان، بينما تحولت الشكوى الان لتصبح من جراء التغيير الكبير الذي تشهده السياسة السعودية، وهو الأمر الذي لا يقتصر على مستوى السياسة الخارجية والتوجهات العسكرية، ولكنه امتد حتى للسياسات الاقتصادية التي تمس الداخل السعودي نفسه.

وأضاف الكاتبان الأمريكيان أن قادة المملكة ألقوا بالنصائح التي وجهت لهم أدراج الرياح، حيث آمنوا بأهمية عدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للاقتصاد السعودي، واتجهوا نحو تنويع اقتصادهم وخصخصة بعض الأصول المملوكة للدولة من بينها عملاق النفط السعودي أرامكو، وهو الأمر الذي يعد كذلك مخاطرة كبيرة من وجهة نظر العديد من المتابعين.

سياسة الاحتواء

وزعم الكاتبان أن السياسات السعودية التي تهدف إلى زيادة نفوذها الجيوسياسي وتحقيق مزيد من الاستقلال الاقتصادي تمثل مخاطرة كبيرة، وبالتالي فإن الولايات المتحدة يمكنها المساعدة في التخفيف من وطأة تلك السياسات، حيث أن المملكة مازالت تحتاج الدعم الأمريكي أمنيا واقتصاديا، وبالتالي فيمكن للولايات المتحدة تمويل برامج الإصلاح السعودي لسد العجز الكبير الذي تشهده الموازنة السعودية، كما يمكنها كذلك تشجيع المستثمرين للذهاب إلى المملكة، وهي الخطوات التي سوف تساهم في احتواء التوتر السعودي وبث حالة من الطمأنينة في قلوب قادتها، على حد تعبيرهما.

واختتم الكاتبان مقالهما بالقول بأنه على الرغم من التوتر غير المسبوق التي تشهده علاقة الرياض بواشنطن، إلا أنه لا يمكن أن نتجاهل أن العاهل السعودي ونجله هما من أكبر داعمي أمريكا في المنطقة، وبالتالي سوف تكون فرصة ضائعة مهمة للولايات المتحدة إذا لم تستفيد من ذلك، خاصة وأن كلا البلدين ليس لديه بديل واقعي عن الأخر خلال المرحلة المقبلة.

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.