غازي الحارثي: كيف تحصَّنت الإمارات من التطرف؟

غازي الحارثي: كيف تحصَّنت الإمارات من التطرف؟

شارك

منذ فترة وانا ألاحق الأيام والأحداث محاولًا الكتابة حول موضوع مقالي اليوم، لكن سخونة المشهد السياسي في المنطقة وارتفاع تأثير بلادي في كافة ملفاته جعل التركيز ينشغل إلى حدٍ ما عنه، لكني اليوم وفي هدوء هذه الأيام الفضيلة من هذا الشهر الكريم وسطوع روح التسامح والاعتدال في روحانيته أجدها فرصة لأكتب مفتخرًا أولًا ومعجبًا ثانيًا بما عملته الإمارات العربية المتحدة على مدى سنوات سياسيًا وفكريًا واجتماعيًا حتى أصبحت اليوم أكثر دول الخليج والإقليم حصانة من أي هبوب متطرفة يسوقها الغلو وتنبع أساسًا من التشدد والحقد وعدم قبول التعايش الديني والمذهبي والعقدي تحت مظلة وطنية جامعة وشاملة وقانونية ودستورية حتى.

من البداية كانت الإمارات عضوًا أساسيًا وفعالًا في مواجهة الإسلام السياسي المتطرف حينما دعمت موقف الجيش المصري المفوض شعبيًا بعزل حكم الإخوان المسلمين الجماعة ذات التاريخ الملطخ بالدماء في مصر والإقليم والتي أدارت البلاد بطريقة إدارة التنظيم، وبعد إزاحتهم دعمت الإمارات عمليات البناء والتنمية في مصر بوصول عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية.

وعلى المستوى الداخلي حاولت استعراض بعض قوانين الكراهية ومحاربة الطائفية وازدراء الأديان في أكثر من دولة ووجدتها قوانين غير مباشرة وقي بعض الأحيان هشة، ولم أجد اكثر منها وضوحًا ومباشرة في الإمارات .

فبناءً على مرسوم أصدره رئيس الدولة في يوليو من العام الماضي :

يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات وغرامة لا تقل عن ٢٥٠ ألف درهم من يسيء لأي من الأديان السماوية أو يزدري ويحتقر شعيرة من شعائرها او يتعدى على دور عبادتها أو كتاب من كتبها.. قلت الأديان السماوية كلها، وهذا يعني أن الكل في الإمارات سيكون في مأمن على نفسه وطقوس عبادته ومن يعكر عليه ذلك أو يسيء إلى دينه سيجد عقابًا صارمًا.

وبناءً على المرسوم الصادر نفسه فيعاقب بالسجن كل من استغل الدين في رمي فرد او جماعة بالكفر سواءً قولًا أو كتابة أو بأي وسيلة وتكون العقوبة إعدامًا إذا اقترن الرمي بالكفر تحريضًا على القتل فوقعت الجريمة نتيجةً لذلك، وفي هذه النقطة بالذات فقد شهدت منابر تبث من كل دول الخليج ما عدا الإمارات تقريبًا تحريضًا متطرفًا دفع الكثير من الشباب في الخليج إلى النفير لمواقع القتال في الخارج ونتج عنه سفك الدماء وإرهاب الأبرياء وعاد البعض.

وبهذا المرسوم تكون الإمارات قد قطعت الطريق أمام أي وسيلة تدعو إلى ذلك أو تساهم فيه لتؤمن أجيالًا كثيرة كان من الممكن أن يتأثروا بكلمة أو خطبة تبثها إحدى القنوات فيستبدلون الحياة والتعليم والمستقبل بالقتل والدمار والموت.

وفي سياق مقارب لذلك أيضًا وبناءً على المرسوم نفسه، يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات كل من أسس أو نظم أو أدار جمعية أو مركزًا أو هيئة أو منظمة أو تنظيمًا أو جماعة أو فرعًا لإحداها بغرض ازدراء الأديان أو إثارة خطاب الكراهية المتشنج والمُشعل لفتيل الطائفية المقيتة .

هذا المرسوم صنع خارطة طريق لما يجب أن يعتاد عليه كل مواطن ومقيم على أراضي الإمارات، فلكلٍ مساحة يجب أن تحترم طوعًا أو بالقانون، ولعلي أستشهد على ذلك بمقولة تختصر ذلك كثيرًا لعبد الرحمن الراشد “في دبي مكان لكل إنسان” وحتى وإن كان اختزلها في دبي إلا اني سأغيرها استثناءً فقط لمقالي لتكون “في الإمارات مكان لكل إنسان” .

لا شيء يعلو في الإنتاج ويرفع جودته أكثر من الاستثمار في الإنسان نفسه.. عرفت الإمارات ذلك مبكرًا فاستثمرت في الإنسان أولًا وأغلقت على التطرف والمتطرفين طريقهم إليه .

فالجو الحيوي الذي صنعته بفتح مساحة لحرية اجتماعية وفكرية قائمة على أساس مردود اقتصادي وثقافي يعود بنفعه على البلاد جعلها اليوم أقل الدول العربية أو حتى العالمية تصديرًا للإرهابيين وتعرضًا كذلك لخطرهم.. الدين الإسلامي يحكم سياسات الدولة وإدارتها المحلية والطوائف في الإسلام تتنوع ولا بأس، ولكن القانون يضيّق تأثيرها خارج نطاق الفرد فلا تجد مذهبًا يسيطر ولا مدرسة تتصدر الفتوى ولا حياة تتأخر ببعضٍ من شيء يتعلق بالدين.. حفظ الله الإمارات .

نقلًا عن “الوئام” الإليكترونية

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.