عبدالعزيز الخميس: هزيمة الغنوشي

عبدالعزيز الخميس: هزيمة الغنوشي

شارك

أعلن راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة، التي خلعت عنها رداء الإسلاموية السياسية، أن استخدام الدين يجب أن يكون “لتوحيد الناس وليس لأغراض سياسية”، في إطار مشروعه للإنفصال عن الإسلام السياسي وطرح حركته كحزب مدني.

كان لهذا الإعلان ضجة كبيرة، منها من اعتبر ذلك نكوصا عن العمل السياسي الإسلامي واستسلاما للتوجه الليبرالي العالمي، ومنها من رأه استمرارا لتطويع السياسة لمصلحة الدين وتقارب مع التطلعات الشعبية التونسية.

الحقيقة هي أن الحزب التونسي استعمل الدين للوصول إلى مقعد الحكم، وقدم تجربة إدارة فاشلة جعلت الشباب التونسي يكفر بالإسلام السياسي.

لم يكن تخلي الغنوشي عن الإسلام السياسي، نهاية لتطلعاته السياسية، وإنما هي استجابة لمرحلة وضغوط شعبية، ولا تعد سوى تلاعب على رغبات الشعب التونسي، ومحاولة بائسة لغسل جسد الحزب من أدران تسييس الدين.

لن ننسى أنه في عهد حكم الغنوشي وعصبته زاد نفوذ المتطرفين ووجد الإرهابيون لهم مساحة عمل على الساحة التونسية لم يحلموا بها.

لكن الذي يهمنا في بادرة الغنوشي هو اعتراف زعيم الإسلام السياسي العربي بالفشل، والأكثر أهمية هو الاعتراف بأن الدين يجب أن يُبعد عن السياسة، وخشيتنا أن كل ما قاله الغنوشي ليس سوى لاعتبارات ذرائعية عرف بها الغنوشي ولم يحصد منها إلا إثبات الفشل والهزيمة.

لقد مني الإسلام السياسي بانتكاسات ليست بسبب ما يطلق عليها تجار الدين الثورة المضادة، بل لأن الشعوب أصبحت أذكى من قبل، وتعرفت جيدا على برامج حزبية لم تقدم سوى الدمار للعديد من الدول العربية، وقد أثبتت الأحداث ذلك وبكل وضوح.

كل ما يفعله الغنوشي هذه الأيام، هو إقناع الغرب بأن حزبه لا علاقة له بالإخوان، وأنه مشروع مدني، لكن المقبل من الأيام سيحمل العديد من التطورات، أولها أنه لا يمكنه خداع الناس، فالمرجعية الإخوانية واضحة في الطرح الحزبي، ومهما قدم من تبريرات فلن يحصد سوى أنه أعلن هزيمته ومعه كل التيارات الإسلامية السياسية، وما نكوص زعيمها الغنوشي إلا بيانا واضحا عن أن هذه التيارات لم ولن تنجح ما دامت تصبغ عملها بتسييس الدين واستغلاله ببشاعة.

هل يستطيع من غير جلده كالثعبان عقودا من الزمن، وتعامل مع تونس على أنها جزء من دار الخلافة أن ينجح في إقناع نفسه ثم شعبه وبعد ذلك العالم أنه رمى بأجندة الإخوان في مزبلة التاريخ، لا أراهن على ذلك، فالطبع يغلب التطبع، والميدان يفرض على الغنوشي والنهضة العمل بكل صدق على أن يكون خط حركتهم وطنيا لا تابعا لدار الخلافة الأردوغانية، وكلنا نعلم أن الغنوشي يتمنى استنساخ تجربة أردوغان في تونس والعالم العربي.

حينما يفضل 73% من التونسيين في استطلاع رأي دقيق العلمانية، وحينما يصرح رفيق الغنوشي، عبد الفتاح مورو، أن شعار “الإسلام هو الحل” شعار فارغ، وحينما تجري الرياح بما لا تشتهي سفن الإخوان، ويتنقلون من خيبة لأخرى، ومن هزيمة لكارثة، تهتز عروش متسيدي الخطاب الإسلامي السياسي، وتتلون وجوههم وجلودهم، ويبدأ الزعماء بخلع الأردية الإخوانية لكن كل ذلك لأهداف مرحلية وليست تطورا طبيعيا ونموا في تجاربهم السياسية، لا يمكنك الاطمئنان لمن بنيت عقيدته على العنف والكره والحقد ورفض الآخر.

لكن يستحق منا الغنوشي الشكر الجزيل فها هو يثبت للمغرر بهم سلامة خطنا الوطني العربي، وأن الوطن قبل الحزب والجماعة والشللية السياسية الضيقة.

أما أتباع ومناصري الإخوان في بلادنا فنقول لهم: لكم في تجربة زعيمكم ومن قبله أردوغان بأن العلمانية هي الحل لأنظمة الدول وأن سيطرة واستغلال الدين والتجارة به سياسيا، لن تقدم للدول والشعوب نفعا، بل ضررا يعم الأوطان بالخراب والدمار.

لكن هؤلاء المناصرين السذج لا يتعلمون دروسا من التاريخ، بل يمضغون، ويجترون مفردات لا يفهمونها في سياقاتها التاريخية، ولا يريدون القفز بالأمم للأمام، بل يريدونها داعشية حتى لو غيروا جلودهم كل يوم، وتظاهروا بأنهم ضد الإرهاب بينما هم في قرارة خطابهم السياسي ليسوا سوى دواعش مع وقف التنفيذ.

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.