سلامة عطا الله: جيل واحد لا يكفي للأمل

سلامة عطا الله: جيل واحد لا يكفي للأمل

شارك

على طريقة “اليانصيب” نسأل بعضنا: هل “الغد” أفضل أم أسوأ ..؟ ونطمح لإجابة بنعم أم لا..

نحاول الاستئناس بتصور الآخرين حول المستقبل، للتدليل على قناعات بداخلنا، ثم لا نشفى من ورطة السؤال المزمن.. (أفضل أم أسوأ).

نحاول التخلص من أعباء الحاضر، ولا نريد مزيدا من النضال، فقد حاربنا طويلا ومن حقنا أن نستريح ولو قليلا.

هي أزمة حسابية، تثبت فشلنا في علم رياضيات الحضارات، فنمر على التاريخ، دون أن نستشعر “الزمان” “الوقت” لكل مرحلة وما قبلها وما بعدها.. من التخصيب الى الحمل الى الولادة ثم مختلف مراحل الحياة.

كل جيل يريد الزراعة والحصاد معا، وكأنه يريد للنخيل أن يكون شجرا ينبت ويثمر كما تفعل النباتات في وقت قصير.

عمر الانسان محدود، ويفترض أن للفرد دور ينتهي مع انتهاء حياته، ودور آخر، هو ليس فيه سوى جزء يتكامل مع أدوار الأجيال اللاحقة، في سردية طويلة دونها لا تكون حضارات.

من الطبيعي أن يكون العرب في هذه المرحلة، من أكثر بل وأكثر القوميات تشتتا وحيرة وبحثا عن إجابة، لأنهم ليسوا كآخرين، ممن لم يسبق لهم أن كانوا حضارة رائدة، هؤلاء لا يواجهون بعقبات التعايش كأقلية مع أي حضارة تنتصر، فهم لم يخسروا الريادة، ولا يكلفهم الأمر، سوى تبديل الولاء وربما الهوى، أما عرب اليوم، فقدرهم أنهم أصحاب حضارة كبيرة هزمت.

ربما يسجل التاريخ، بأن العرب المهزومين حضاريا، كانوا الأسرع في الاقرار بالهزيمة، والاقتناع باستحالة الإحياء، وحاولوا محاكاة المنتصر، ثم ومع الزمن، وبعد أن تخلوا عن جزء مهم من وجدانهم، لم يحظوا بقبول المنتصر لهم، فأصيبوا بخيبة، وشعروا بحجم الضرر الناتج عن التنازل الوجداني، دون أن يقابل ذلك باعتراف من طرف المتفوق الراهن.

تطرف البعض، وبات يفتش عن أصوله القديمة، لينأى بنفسه عن تهمة “العروبة”، فجزء يقول: “انا لست عربيا وانما فينيقيا”، وآخر يقول :”لست عربيا بل كنعانيا”…الخ، وكأن شرط مواكبة الحداثة، أن نتخلي عن العروبة.

البعض يخلط في الحسابات، فيستشهد بمرحلة أو عدة مراحل، ليحكم على الحضارة العربية برمتها، ويسقط مرة أخرى، حينما يعيد تقييم حضارة وفق سلوك أنظمة حكم قصيرة في عمرها، فينتقد تاريخ الجزيرة العربية، بناء على الموقف من الأنظمة المعاصرة، ولم يتساءل، كيف عاش الإنسان قديما في تلك المنطقة ذات البيئة المعادية للحياة بمناخها وقسوة صحرائها.

ببساطة، نحن نحتاج للثقة الحضارية، وبدون هذه الثقة، لن نرتاح من وجع الوجدان.. نحتاج لأن نثق بأنفسنا كأصحاب طريقة حياة مختلفة وجميلة، ولا نحتاج لإعادة قراءة التاريخ، كي نستقي منه الصحيح، فليبق تاريخا حتى بخزعبلاته ككل تواريخ الأمم، مع المضي في النضج الإنساني وتطوير مهارات العيش السعيد.

وبالعودة لتكامل الأجيال في طريق بناء أو إحياء الحضارات، يظن البعض بأن تربية الأجيال ينبغي أن تتوافق مع النمط الغربي، كنمط مثالي للحداثة والإنتاج، وإذا سلمنا بهذه الفرضية، فإن الأجيال العربية وحينما تصل لما عليه الأجيال الغربية في هذه المرحلة، تحتاج لعقود، وفي النهاية لن تصل، لأن النمط الغربي متحرك، ولا يمكن للمقلد أن يسرع بنفس مستوى صاحب الفعل والحركة.

ولجهالة التعميم، يظن بعض العرب بأن النمط الغربي واحد، دون إبصار لحجم الفروقات بين المجتمعات والشعوب الغربية، حسب خلفياتها وموقعها ومناخها وحجمها..الخ، فالتجربة الأوروبية تثبت بأن الإنسان لا ينتج إذا تخلى عن ذاته ووجدانه، بل ولا يمكن للإنتاج أن يكون دون ذات ووجدان.. هي دعوة لمقارنة أنماط الحياة الاوروبية، وكيف أسهم التنوع في طرق الحياة، بإثراء المخرجات الاوروبية.. حتى لو حاول الاسباني أن يعيش كالألماني، فلن ينجح ولكل مميزاته.

في كثير من الأحيان، نستهلك منتجات ألمانية أكثر من استخدامنا لمنتجات أمريكية، لكننا لم نتأثر بالألمان كما تأثرنا بالأمريكان، لأن أمريكا نجحت في تسويق قيمها مع منتجاتها كما لم يفعل الألمان (الديمقراطية مثال)، وهذا يؤكد بأن الحضارات لا تستقيم بالمنتج المادي دون قيم، ولا يمكن للعرب أن يحيوا أنفسهم دون قيمهم الخاصة وطريقة حياتهم الخاصة، وهذا ليس اغلاقا لباب الاستفادة من الآخر، وإنما لأن الآخر، صمم قيما، ثم احتكر تحديد أدوات تطبيقها، بما يتناسب ومصالحه التجارية، وبما لا يتفق وضروراتنا المستقبلية.

وكما نسأل (أسوأ أم أفضل) نسأل (هل النهوض مسؤولية الحكام أم المحكومين).. بأمة تختار حكاما مهما أخطأوا أو قصروا، فلن يصلوا لدرجة التفريط بحق الأمة في التميز والكرامة.

وبحكام يؤمنون حقا بعظمة الأمة، فكل الزعماء المؤثرين، وصولا الى شارل ديجول وياسر عرفات، يؤمنون فعلا بعظمة شعوبهم.

أما المؤسسات، فتصنع وتتطور تدريجيا، بما يتناسب والعقد بين الحاكم والمحكوم، وبما يتناسب وطريقة الحياة.

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.