جمال بنون: محمد بن سلمان.. لا وقت للهدوء حتى في رمضان

جمال بنون: محمد بن سلمان.. لا وقت للهدوء حتى في رمضان

شارك

«بعد اليوم ما في نوم».. يبدو أن هذا هو شعار فريق عمل رؤية السعودية 2030، وعلى رغم أنه عادة لا يسافر المسؤولون السعوديون في مهمات رسمية أو زيارات في رمضان إلى الخارج، إذ يتفرغ معظمهم للراحة والهدوء والعبادة، وينشغلون عن الخدمات في إعداد برامج وخطط لخدمة المعتمرين وزوار الحرمين الشريفين.

زيارة ولي ولي العهد السعودي النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس مجلس الاقتصاد والتنمية الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة الأميركية ومعه فريق عمله وعدد من الوزراء المهمين والمساندين ربما هي رسالة إلى الداخل لكل المسؤولين والشركاء في البرنامج بأن الوقت أزف، ولا ينتظر التأخير أو الاسترخاء أو حتى التكاسل، وكل وقت يمضي من دون الاستفادة منه هو هدر للفرص.

لذا حينما وصل الأمير محمد بن سلمان كان برنامجه مليئاً بمواعيد المقابلات والزيارات واللقاءات، فهو يريد أن يقتنص فرصاً متوافرة، ويريد أن يسوّق للبرنامج بطريقة احترافية، خصوصاً أن اقتناص الفرص متاح للجميع، لهذا وجد الأمير الشاب أن شهر رمضان المبارك الذي عادة ما تهدأ فيه الكثير من الدول المسلمة في رحلاتها وزياراتها إلى البلدان الأميركية والأوروبية، إما لتسويق أو محادثات اقتصادية، فهذا هو الوقت المناسب للتباحث مع الشركات الكبرى والمتخصصين والتشاور معهم بهدوء، كما أن صيف أثرياء الغرب عادة ما يبدأ من حزيران (يونيو) وتموز (يوليو) وربما يستمر إلى نهاية العام واحتفالات «الكريسمس»، وهذا يعني فرصة الالتقاء بهم وتسويق الفرص الاستثمارية التي تحملها السعودية ربما تضيع عليهم.

على رغم أن الزيارة طابعها سياسي بالدرجة الأولى، إلا أن الصبغة الاقتصادية المهمة تغلب عليها، فجدول اللقاءات تضمن مقابلة أوباما وهو في طريقه إلى مغادرة البيت الأبيض بعد انتهاء فترة ولايته، وتضمنت الزيارة كذلك مقابلة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لتصحيح رؤية هذه المنظمة التي وضعت التحالف الذي تقوده السعودية في القائمة السوداء في انتهاك حقوق الأطفال، وهذا الأمر كان مضحكاً بالنسبة للمراقبين قبل أن تتراجع وترفع الاسم من القائمة السوداء.

وهذا الأمر ليس شاقاً بالنسبة للسعوديين بأن يقنعوا العالم بمسؤولياتهم ودورهم تجاه الدول المجاورة، ولا يحتاج أن توضح، فمحرك اللعبة الإرهابية في المنطقة تتصدره إيران، والمجتمع الدولي يعرف هذا، ولا يحتاج إلى براهين، فقط يتطلب تحركاً دولياً لإعطاء إيران درساً في أخلاق الجوار.

واضح أن الأمير الشاب أخذ عهداً على نفسه بأنه لن يهدأ قبل أن يرى الإقبال والاندفاع من الشركات الكبرى، وبالفعل تم إصدار أول ترخيص للاستثمار لشركة «داو كيمكال» العملاقة، وهناك ترخيصان آخران لشركتي «ثري إم» و«فايزر» العملاقتين، ومن المرجح أن يتمكن فريق التفاوض من إقناع شركة «أبل» بالدخول للسوق السعودية.

وخطوة استقطاب الشركات الكبرى ومنحها تسهيلات وضمانات وأيضاً بنسبة 100 في المئة ستسعد الشركات الأخرى خصوصاً في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وهذه بلدان صناعية، وعادة الشركات تسحب معها الشركات الأخرى متى ما وجدت فرص الاستثمار وبيئة العمل المناسبة وتسندها القوانين والأنظمة وتوافر الأيدي العاملة.

فريق التسويق لرؤية 2030 الذي يقوده الأمير محمد بن سلمان هو بالفعل بحاجة إلى فريق يجيد التفاوض وفنونه، ولديه قدرات في الإقناع، ويملك النفس الطويل، إضافة إلى مهارات الوصول إلى العميل المستهدف، والمرحلة الحالية تتطلب إجادة التعامل مع شركات متخصصة في التكنولوجيا وشبكات الكومبيوتر وتطبيقات الهواتف والصناعات العسكرية، وقطاعات التجزئة والخدمات والمرافق والصناعات الثقيلة، فالرؤية السعودية لديها تطلعات لبناء متحف إسلامي في الرياض، وهذا يعني الاستفادة من إدارة وشركات المتاحف في العالم، خصوصاً في فرنسا وايطاليا، ويتطلب أيضاً التفاوض مع شركات تصنيع الأسلحة وفي مجال الصناعات الأساسية مثل النفط والتكرير والبتروكيماويات والألومنيوم والفوسفات وكذلك الصناعات التحويلية المكملة لهذه الصناعات الأساسية، ومشاريع الطاقة وغيرها، ووفق فريق رؤية 2030 فالمجالات المتاحة تشكل بيئة استثمارية للدخول في صناعات تحويلية ومنتجات نهائية، من صناعة السيارات والأجهزة المحلية وصناعات الطاقة المتجددة وتربونات طاقة الرياح، والمجال الآخر الذي تنتظر السعودية أن تجد قبولاً لدى المستثمرين والشركات، وهي قطاع الخدمات الذي ينتظر أن يولد وظائف لأكثر من 450 ألف شاب وشابة.

يعرف رئيس مجلس الاقتصاد والتنمية أن بناء السمعة الاقتصادية وثقة العملاء بالشركات أمر مهم، وأي خلل في أي من جوانب هذه الرؤية سيلحق الضرر، لهذا فضل أن يقود بنفسه الرحلة السندبادية، وستتبعها رحلات إلى بلدان أخرى أكثر تقدماً وتطوراً، لا تزال ورقة «الإكا» كما يقول اللاعبون الماهرون في أيدينا، فنحن ما زلنا نتسيد العالم بأكبر بلد مصدر للنفط، وتمتلك السعودية 25 في المئة من احتياطات العالم، والذي حدث أن السعر انخفض، ولم تنضب البئر أو تجف، لهذا فالسعوديون ليسوا متخوفين، والحال الاقتصادية والمغريات لا تزال في يدهم، والفرص متاحة لدخول شركات كبرى، إنما الأمر يتطلب المزيد من ممارسة الإقناع، خصوصاً أن مجالات الاستثمار أصبحت إحدى المنافسات الجديدة لاستقطاب الشركات وتقديم ميزات تنافسية، واليوم أهم ميزة تنافسية تستطيع السعودية أن تقدمها لهذه الشركات هي تسهيل الإجراءات وحقوق المستثمر وترك حرية جلب العمالة مع تعهد بتدريب العمالة الوطنية.

رحلة الأمير محمد بن سلمان أعطت إشارة بأن وقت العمل لا يعرف اختلاق الأعذار والحجج، وأن التحدي الذي أخذه على نفسه، يجب أن يتحقق وفي المدة نفسها المقرر لها، ولا تستغربوا أن تجدوا الأمير الشاب وهو يحمل حقيبته فجأة ليزور أو يلتقي فريقاً من المستثمرين والشركات، إما يلتقي بهم في إحدى مدننا أو شواطئنا الجميلة أو يطير إليهم، أن تستغني عن 80 في المئة من عائداتك النفطية ويستعيض عنها بمصادر أخرى، أمر يدعو للقلق إنما ليس بالصعب.

نقلًا عن “الحياة”

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.