السعودية … دور رئيس في تشكيل الجغرافية السياسية الاقليمية

السعودية … دور رئيس في تشكيل الجغرافية السياسية الاقليمية

شارك

تشكلت الجغرافية السياسية لمنطقة الخليج والشرق الأوسط في الفترة من 17 كانون الثاني (يناير) وحتى 28 شباط(فبراير) 1991، حينما قاد حلف عالمي يضم 34 دولة قوات مشكلة من 750 الف جندي، و3600 دبابة، و1800 طائرة مقاتلة، و150 قطعة بحرية، لخوض معركة استمرت 40 يوماً الهدف منها تحرير دولة عربية(الكويت) وقعت تحت براثن دولة عربية أخرى(العراق).
هذه المغامرة العراقية التي وصفت ومازالت بـ”العبثية السياسية” وضعت القيادة السعودية التي كان يمثلها آنذاك الملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله على المحك، وكان تحركه عنصراً رئيس ومرتكزاً محورياً في صياغة البراجماتية السياسية العربية بوضوح تام، وهو ما بدا صريحاً في كلمته التي القاها في مجلس الوزراء في 17 (يناير) حينما قال:” شاءت إرادة الله، أن يمعن حاكم العراق صدام حسين في إصراره على رفض كل القرارات العربية والإسلامية، العادلة، وقرارات مجلس الأمن، التي تمثل الشرعية الدولية. وبالتالي، عمل على إحباط كل الجهود المكثفة المتواصلة، التي بذلها قادة العالم وزعماؤه، من أجْل إنقاذ الموقف، وتجنيب المنطقة العربية ويلات الحرب، التي أبى صدام حسين إلاّ أن يثيرها، برفضه القاطع سحب قواته من دولة الكويت، التي غزاها فجر يوم الخميس، الثاني من آب(أغسطس) 1990. وحدث ما كان آنذاك، من قتل وتشريد، وانتهاك للحرمات والأعراض، ونهب للثروات. ولا شك في أن العالم، كان يتابع معنا كل النداءات والمناشدات، التي تواصلت منذ الاحتلال، وحتى يوم الأربعاء، 16 كانون الثاني (يناير) 1991، أملاً بأن يستجيب صدام حسين لكل المناشدات والمحاولات، ويذعن لصوت الحق ونداء الضمير”.
وأضاف الملك فهد، قائلاً: “إن، العمليات العسكرية، التي بدأت فجر اليوم، لتحرير الكويت، إنما تمثل سيف الحق وصوته، الداعي إلى رفع الظلم، وعودة الأمور إلى نصابها الصحيح. كما أنها تمثل القرارات الدولية. ولقد سبق لي أن ناشدت الرئيس صدام حسين، في أكثر من موقع ومناسبة، أن يفيء إلى أمر الله، فيحقن الدماء، ويصون أرواح الأبرياء. لكنه أبى واستكبر، وطغى وتجبّر، وصمّ الآذان، ورفض الإذعان إلى نداء الحق والعدل والسلام. ولهذا، كان لا بدّ من تخطيط الأمور، وتنفيذ القرارات القاضية بتحرير الكويت. ونسأل الله أن يكتب النصر لجنده، حيث قال ـ جلّ وعلا ـ(وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ).
هذا الوضوح في خطاب فهد بن عبدالعزيز، كان بمثابة إعلان صاغته الأحداث السياسية المتوترة والمتصاعدة في دول الخليج على أن المواجهة ستكون صعبة، خاصة وأنها من المرات النادرة التي تغزو فيها دولة عربية دولة عربية أخرى، فبدت حنكة فهد بن عبدالعزيز، في التعاطي مع هذه الأزمة ومنحها بعداً دولياً واقليمياً، لا سيما وأن مجلس الأمن أصدر قرارات عدة تجاه هذه الأزمة أهمها القرار رقم 661 (1990)، و 665 (1990) و 670 (1990) التي وظفت العقوبات الدولية على العراق إلى حصار شامل.
يقول الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز في تأريخه لتلك المواجهات السياسية والعسكرية كشاهد عليها وقائداً عسكرياً للقوات المشتركة ومسرح العمليات فيها في كتابه ” مقاتل من الصحراء”: أكد الملك فهد في مؤتمر صحفي في الرياض في 30 كانون الثاني(يناير) 1991 ضرورة انساب العراق من الكويت من دون قيد أو شرط وعودة حكومة الكويت الشرعية. ورأى أن ذلك سيكون خطوة لإنقاذ الشعب العراقي من معاناة الحرب التي تطاوله بسبب إقدام العراق على احتلال الكويت.
ويضيف الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز: شدد الملك فهد على أن ما حدث للكويت كان يستهدف اجتياح جزء من السعودية أو أجزاء أخرى من دول الخليج. واشار الملك فهد إلى أنه لم يصدق في البداية أن العراق هو الذي غزا الكويت ، وقال ” لقد تحملنا العبء الأكبر في تأسيس الجيش العراقي وتدعيمه حتى لا يتعرض العراق لخطر الاجتياح الإيراني”. ودعا الملك فهد الرئيس العراقي إلى الانسحاب، وقال ” آمل أن يكون قد أدرك القوة التي يواجهها، وأن الأمر قد حسم. والعالم كله يقف بجانب الحق والشرعية وعودة الكويت إلى أهلها”.
ويوضح قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات في حرب الخليج الثانية في كتابه أن الملك فهد قال في المؤتمر الصحفي: إننا الآن أمام مطلب دولي، أعطى العراق فرصة كافية للانسحاب من دون قتال وهذا منطق العقلاء، فلماذا لم يأخذ به صدام حسين؟ ولماذا لا يأخذ به الآن أو غداً وينسحب من الكويت من دون شروط ويكفي شعبه وجيشه معاناة ويلات الخرب”.
هذه النداءات المتكررة للملك فهد يرحمه الله إلى الرئيس العراقي كانت قراءة لخارطة العراق المستقبلية التي يعاني منها العراقيين الآن ويدفع ثمنها كل أبناءه، كما أنها كانت بمثابة جرس إنذار لما قد تصبح عليه المنطقة من توترات وصراعات، خاصة في ظل دخول دول تمثل ركائز اقليمية مهمة في صراعات غير عادلة ضد دول الاقليم الأخرى.

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.