يبقى تغيير النظام السوري على رأس أولويات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، سواء في خطاباته الدولية أو حواراته الصحفية التلفزيونية، حيث أعاد التأكيد على ضرورة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد كأحد الضرورات الرئيسية من أجل اعادة الاستقرار لسوريا خلال المرحلة المقبلة، وذلك خلال حواره الذي أجراه مع صحيفة “دير شبيجل” الألمانية.
انتظار الصحفيين للمسؤول السعودي طال لست ساعات كاملة، إلا أنه في النهاية استقبلهم بالترحاب في قاعة المؤتمرات الضخمة بأحد الفنادق الكبرى في مدينة ميونيخ الألمانية، حيث استمر الحوار بداخلها لمدة 45 دقيقة، كان مضطرا بعدها للمغادرة حتى يلقي خطابه أمام مؤتمر ميونيخ للأمن، ولذلك اقترح عليهم أن يستكملوا الحوار في سيارته الليموزين الفخمة والتي أخذته إلى محل انعقاد المؤتمر، بحسب ما ذكرت الصحيفة الألمانية … وإليكم نص الحوار:
س. سيد جبير.. هل سبق لكم وأن رأيتم الأوضاع في الشرق الأوسط أسوأ مما هي عليه الآن؟
الجبير: الشرق الأوسط مر بمراحل كثيرة وفترات طويلة من التدهور، ففي الخمسينات والستينات من القرن الماضي كانت هناك العديد من الثورات، حيث انهارت العديد من الملكيات، وأصبح هناك تيارا ناصريا وأخر راديكالي في العديد من دول المنطقة، ولكن الأمر اليوم ربما أقل تعقيدا.
س. الوضع في سوريا الان هو الأكثر تعقيدا وخطورة في المنطقة.. ماذا تريد المملكة العربية السعودية من الصراع الراهن في سوريا؟
الجبير: لا أحد يمكنه التنبؤ بما سوف يحدث في سوريا على المدى القصير، ولكن بكل تأكيد على المدى الطويل، ستكون سوريا بدون بشار الأسد، ولكن كلما طالت المدة، ربما سيحدث ما هو أسوأ. لقد حذرنا منذ اندلاع الأزمة في عام 2011، أنه إذا لم يتم ايجاد حلول سريعة للأزمة في سوريا، فإن البلاد سوف تشهد دمارا كبيرا، وللأسف، كانت رؤيتنا صحيحة تماما.
س. كيف ترى الوضع الان بعد أصبح الأسد هو صاحب اليد العليا في سوريا؟
الجبير: دائما ما نؤكد أن هناك طريقان للحل، وكلا منهما يؤديان إلى نفس النتيجة المرجوة ألا وهي سوريا بدون بشار الأسد، الطريق الأول ويتمثل في العملية السياسية التي نخوضها حاليا في إطار ما يسمى بمجموعة فيينا، وذلك من خلال تأسيس مجلس حاكم يتولى السلطة من النظام الحالي ويتولى كتابة دستور جديد للبلاد، ويفتح الطريق أمام انتخابات. من المهم أن يكون رحيل الأسد في بداية العملية السياسية وليس في أخرها، وبالتالي يكون انتقال السلطة بأقل قدر ممكن من الخسائر والدمار.
أما الطريق الثاني هو أن تستمر الحرب ضد نظام الأسد، ولكن إذا ما تم الالتزام بما تم الاتفاق عليه في ميونيخ من وقف الأعمال العدائية وفتح الطريق أمام المساعدات الإنسانية، ربما يكون هنا الباب مفتوح أمام الحل السياسي. نحن في مرحلة حساسة للغاية، ولكن إذا لم تنجح العملية السياسية فيجب أن يكون هناك طريق أخر.
س. يقول الأسد أن وقف إطلاق النار على المدى القصير هو أمر مستحيل.. هل فشل بذلك اتفاق ميونيخ؟
الجبير: الأسد سبق وأن قال أشياء كثيرة من قبل.. دعنا ننتظر لنرى ما إذا كان هو جادا في التوصل إلى حل سياسي أم لا.
س. رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميديفيديف تحدث خلال مؤتمر ميونيخ عن إمكانية نشوب حرب عالمية ثالثة في سوريا.. كيف ترى ذلك؟
الجبير: هذا التصريح من قبيل الإفراط الدرامي. دعنا لا ننسى أن المسألة بدأت بقيام أطفال لا تتعدى أعمارهم التسع سنوات قاموا برسم صور جرافيتي على الحوائط، حيث تم إخبار ذويهم أنهم لن يرونهم مرة أخرى، ولذلك ثار الشعب السوري ضد النظام، ولكنه تعامل معه بوحشية كبيرة. ونظرا لأن جيشه لا يمكنه حمايته، لجأ الرئيس السوري إلى إيران من أجل تقديم الدعم والمساعدة له، حيث أرسلت له قوات من الحرس الثوري، وميليشيات شيعية موالية لها سواء في العراق أو حزب الله في لبنان، بالإضافة لمقاتلين أخرين من باكستان وأفغانستان، ولكن كل هؤلاء لم يتمكنوا من مساعدته، فكانت روسيا ورقته الأخيرة.. ولكن روسيا أيضا ربما لن تتمكن من انقاذه.
س. لقد ذكرت أسماء كل الفاعلين على الساحة السورية… هل المشهد لا ينم عن حرب عالمية؟
الجبير: سوف أتي إلى هذه النقطة حالا لو سمحت لي. عندما بدأ القصف الجوي، أكدنا أننا على استعداد لارسال قوات خاصة إذا ما أقدمت الولايات المتحدة على ارسال قوات برية. روسيا كذلك تؤكد أنها تريد القضاء على داعش، لذلك فإنني أتساءل إذا كان وجود القوات البرية من شأنه إلحاق الهزيمة بالتنظيم المتطرف، لماذا تحدث الحرب العالمية الثالثة إذا؟ هل تقلق روسيا من تداعيات هزيمة داعش خاصة وأنها قد تفتح الباب أمام هزيمة الأسد؟ هنا نصبح أمام قصة مختلفة تماما. ولكني مازلت لا أعتقد أننا على أعتاب حرب عالمية ثالثة في سوريا.
س. هل ستقتصر مهمة القوات البرية السعودية على محاربة داعش أم أنها ستساعد أيضا في القتال ضد الأسد؟
الجبير: لقد أعربنا عن استعدادنا لإرسال قوات خاصة إلى سوريا للمشاركة مع قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش، ولكن الأمر برمته مازال محل نقاش وفي مرحلة التخطيط المبدئي.
س. هل تؤيد المملكة اقتراح تزويد المعارضة السورية بصواريخ مضادة للطائرات؟
الجبير: نعم، هذا الأمر من شأنه تغيير توازن القوى على الأرض، حيث ستتمكن المعارضة السورية المعتدلة من تحييد الطائرات العسكرية التي تلقي المواد الكيمائية على السوريين. كانت صواريخ أرض – جو أحد أهم عوامل تغيير معادلة القوة في أفغانستان، ولكن الأمر ينبغي أن يتم دراسته بعناية فائقة حتى لا تقع مثل هذه الأسلحة في الأيدي الخطأ.
س. هل تقصد أيدي ميليشيات داعش؟
الجبير: هذا القرار يخص التحالف الدولي، وليس قرار المملكة العربية السعودية.
س. التدخل الروسي في سوريا ترك تداعيات عميقة على المشهد السوري.. كيف تقيم العلاقات السعودية الروسية في هذه النقطة؟
الجبير: بعيدا عن خلافاتنا حول سوريا.. العلاقات السعودية الروسية جيدة للغاية، ونسعى لتوسيعها وتعميقها خلال المرحلة المقبلة. هناك 20 مليون روسي مسلم. وكما كل من روسيا والمملكة يسعيان لدحض الإرهاب والتطرف، كما نتحرك معا لتحقيق الاستقرار في سوق الطاقة العالمي. رغم خلافنا حول الوضع في سوريا، فإن كلا منا يريد سوريا موحدة ومستقرة، ينعم فيها جميع السوريين بالحقوق المتساوية.
س. هذا أمر جيد.. ولكن ربما ما يثير قلق العالم الان هو التوتر بينكم وبين إيران.. ما رأيك؟
الجبير: إيران كانت وسوف تظل جارتنا لألاف السنين، وليس لدينا مانع على الإطلاق أن نعمل على تطوير العلاقة لتكون بأفضل صورة ممكنة مع إيران، إلا أن السياسة الطائفية التي اتبعتها إيران منذ اندلاع الثورة الإيرانية في عام 1979، دفعتها نحو فكرة تصدير الثورة والتدخل في شئون دول الجوار، حيث تبنت سياسة الاغتيالات واقتحام السفارات، ايران مسؤولة عن عدد من الهجمات الإرهابية في المملكة، وهي مسؤولة عن تهريب المتفجرات والمخدرات إلى المملكة العربية السعودية. وايران هي المسؤولة عن وضع الميليشيات الطائفية في العراق وباكستان وأفغانستان واليمن، التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار في تلك البلدان.
س. إذا كان الوضع كذلك.. فكيف تقول أنه ليس لديكم مانع من تطوير العلاقة لتكون في أفضل صورة مع إيران؟
الجبير: نعم، نحن نريد أن يكون لدينا علاقات جيدة مع الإيرانيين، ولكن اذا كانوا يريدون علاقات جيدة معنا، ثم أقول لهم: لا ينبغي أن تستمر مهاجمتكم لنا كما فعلتم على مدى الـ35 سنة الماضية. إذا استمرت سياسات إيران العدوانية، فإنه سيكون أمرا سيئا بالنسبة للمنطقة، وبالتالي فعلى إيران أن تقرر ما إذا كان تريد ثورة أم دولة وطنية.
س. هل الإيرانيون وحدهم هم المسئولون عن ذلك؟ ماذا قدمت المملكة لتحسين العلاقات مع طهران؟
الجبير: قل لي عن دبلوماسي إيراني واحد قمنا بقتله.. ولكني أستطيع أن أقول لك عن العديد من الدبلوماسيين السعوديين الذين قتلتهم طهران.. قل لي عن سفارة إيرانية واحدة قمنا بمهاجمتها أو خلية إرهابية واحدة قمنا بزراعتها في الداخل الإيراني أو حتى مشكلة واحدة حاولنا خلقها بين الأقليات في الداخل الإيراني.
س. نظيرك الإيراني محمد جواد ظريف اتهم السعودية باستفزاز إيران برعاية الجماعات المتطرفة العنيفة.. ما رأيك؟
الجبير: ما هي الاستفزازات التي يتحدث عنها؟
س. هل السعودية لا تمول الجماعات المتطرفة؟ ظريف يتحدث عن الهجمات التي يشنها تنظيم القاعدة والتنظيمات الأخرى على المساجد الشيعية في العراق واليمن.
الجبير: نعم .. ولكن لسنا نحن.. نحن لا نتسامح مع الإرهاب بل نسعى لمطاردة الإرهابيين والذين يدعمونهم والذين يجدون لهم التبريرات أيضا. سجلنا واضح على عكس تاريخهم، فقد قاموا بإيواء عناصر القاعدة وكذلك تسهيل العمليات الارهابية التي ارتكبوها. إيران هي الدولة الوحيدة المتواجدة حول طاولة المفاوضات التي لم تتعرض لهجوم سواء من القاعدة أو من داعش.
س. هل يمكن للغرب القيام بوساطة بين إيران والسعودية؟
الجبير: الإيرانيون يعرفون ما يتعين عليهم القيام به من أجل أن يصبحوا عضوا مسؤولا في المجتمع الدولي ولكى تصبح بلادهم جارة جيدة، وفي النهاية الأمر متروك لهم لتغيير سلوكهم.
س. إذا لا يوجد ما يمكّن للسعودية أو الغرب عمله لتحسين العلاقات في المستقبل؟
لا يوجد سوى أن يبقى الإيرانيون بعيدا عنا.
