فادي عيد: التاريخ السري بين إخوان البنا وملالي الخميني

فادي عيد: التاريخ السري بين إخوان البنا وملالي الخميني

فادي عيد

شارك

كثيراً من شعوبنا صدق تصريحات قادتهم وهتافات ملاليهم وتهديدات حرسهم الثوري للولايات المتحدة واسرائيل والغرب وربما للأرض كلها، وبعد الإتفاق النووي أصاب هولاء الطيبون بصدمة كبيرة وحالة من من عدم أستيعاب المشهد قبل أن تأتيهم أولى الصدمات من العلاقة المريبة التي ظهرت للعلن بين نظام الخميني وجماعة “الإخوان” التي تصدرت المشهد السياسي بالشرق الأوسط بعد ما سمي بالربيع العربي.

فإذا كان فبراير 1979م حمل مشهد اعتلاء المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الأسبق الخميني حكم البلاد بعد هبوط طائرته بمطار طهران قادما من باريس لكي تلحق طائرة تحمل كوكبة من قيادات التنظيم الدولى لجماعة “الإخوان” ثم تمر الأعوام ويأتي الجمعة 4 فبراير 2011م لكي يعتلى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الحالي علي خامئني منبر الصلاة ويخطب للمرة الأولى باللغة العربية ويخصص كل حديثه لأبناء جماعة “الإخوان” في مصر وتونس وباقي بلاد العرب ويطالبهم بأن يثوروا على حكامهم لكي يضفي حالة من الدهشة على الرأي العام الذي تعجب لذلك المشهد المتناقض في نظره؛ فعلينا الآن أن نسلط الضوء على ما كان يدور في الكواليس منذ فبراير1979م وما قبله، وحتى فبراير 2011م وما بعده .

فقبل أن تتقابل التواريخ كانت الأفكار تتلاقى بين منظري وفلاسفة جماعة “الإخوان” ونظرائهم بإيران فبكتاب “فلسفتنا” لسيد قطب 1959م يتجلى التأثر القوي بفكر مؤسس حزب الدعوة العراقي ومن أفتا بحرمة الإنضمام لحزب البعث وأبرز علماء الشيعة وقتها إلا وهو محمد باقر الصدر، وبالتزامن وبمباركة المرجع الشيعي محسن حكيم أصبح لجماعة الإخوان فرع بأرض العراق تحت مسمى الحزب الاسلامي العراقي . و بعام 1966م ترجم الخميني كتب عديدة لسيد قطب للغة الفارسية من ابرزها كتاب ” المستقبل لهذا الدين ” و بمقدمة هذا الكتاب وصف الخميني سيد قطب بالمفكر المجاهد الذي أثبت في كتابه أن العالم سيتَّجه نحو رسالتنا، ونفس ما حملته تلك الرسالة ومضمون ذلك الكتاب تكرر الأمر بكتاب “أمتنا بين قرنين” ليوسف القرضاوي الذي وصف فيه ثورة الخميني بأنها صحوة اسلامية و انتصار للإسلام فيقول القرضاوي بكتابه “لقد أقام الخميني دولة للإسلام في إيران وكان لها إيحاؤها وتأثيرها على الصحوة الإسلامية في العالم وانبعاث الأمل فيها بالنصر”. ويعد كتاب “في ظلال القران” لسيد قطب من أكثر الكتب انتشاراً و تأثيراً في الشعب الإيراني بذلك الوقت .

وإذا كان قد جاء اللقاء الأول بين الخميني وقيادات جماعة “الإخوان” بباريس بعد أن تولى أبو الحسن بني صدر (الرئيس الأول لإيران بعد الثورة) ترتيب تلك اللقاءات فجائت باقي اللقاءات بطهران وكانت أبرز الوجوه الإخوانية التي التقت بالخميني التونسي راشد الخريجي الغنوشي، وعبد الرحمن خليفة مراقب “الإخوان” بالأردن، وجابر رزق ممثلا عن اخوان مصر، وسعيد حوي ممثلاً عن اخوان سوريا، وغالب همت من اخوان سوريا، وعبد الله سليمان العقيل ممثلاً عن اخوان السعودية، وأخيراً وليس أخراً المصري يوسف ندا مفوض العلاقات السياسية الدولية لجماعة “الإخوان” والذي كان أحد أهم حلقات الإتصال بين دائرة الخميني وجماعة “الإخوان” من خلال علاقته بضابط استخبارات إيراني أرسلته طهران لمدينة لوجانو السويسرية حيث يقيم يوسف ندا.

كذلك كان من أهم حلقات الإتصال بين الطرفين كلا من ابراهيم يزدي المقيم بالولايات المتحدة، وبهشتي المقيم بهامبورج الألمانية، وخسرو شاهي الذي أصبح فيما بعد سفير ايران لدى مصر، و أثناء تهنئة وفد “الإخوان” للخميني بثورته عرض الوفد على الخميني مبايعته كخليفة للمسلمين بعد أن يوضح الخميني لجموع المسلمون سنة وشيعة بأن الخلاف على الإمامة بعهد الصحابة كان خلافاً سياسياً بعيداً كل البعد عن الخلاف العقائدي والديني وحينها صمت الخميني ونحى ذلك الموضوع جانباً قبل أن يعلن في دستور ايران بأن المذهب الجعفري هو المذهب الرسمي للدولة وولاية الفقيه نائباً عن الإمام الغائب .

ونتيجة للعمل المشترك بين الخميني وجماعة “الإخوان” منذ البداية ولتأثر الإخوان بالمذهب الشيعي بوجه عام منذ تأسيس الجماعة حيث كان أيه الله كاشاني أبرز المرشحين لقيادة الجماعة خلفاَ لمؤسسها بعد مقتل حسن البنا، وبعام 1948م كان المرجع الشيعي تقي الدين القمي أبرز ضيوف المركز العام لجماعة “الإخوان” بالقاهرة وكان من أكثر الشخصيات التي تأثر بها حسن البنا، أمر مرشد الثورة الإسلامية بإصدار طوابع بريد تحمل صور حسن البنا وسيد قطب .

والتقارب بين الإخوان ونظام الخميني لم يكن فكرياً فقط؛ بل وعسكرياً أيضاً وتجلى هذا بتأثر الإخوان بحركة فدائي الإسلام الإيرانية المعارضة لنظام الشاه وزعيمها مجبتي مير لوحي المعروف بإسم نواب صفوي والذي يربطه بجماعة “الإخوان” تاريخ طويل وحافل بالأحداث الهامة فكانت زيارات صفوي للقاهرة تصطحب استقبال حافل من أبناء جماعة “الإخوان” وحتى أثناء زياراته لمراقد أهل البيت وكثيراً ما هاجم صفوي الزعيم جمال عبد الناصر الذي أطلق مسمى الخليج العربي بدلاً من الخليج الفارسي بحكم أن العرب يسكنو شطي الخليج، وعندما قال راشد الغنوشي بأن حركة فدائي الإسلام امتداد لجماعة “الإخوان” رد عليه نواب صفوي قائلاً من أراد أن يكون جعفرياً على حق فلينضم لجماعة “الإخوان”، وبعد أعدام نواب صفوي نعاه المرشد الرابع للجماعة محمد حامد أبو النصر واصفاً صفوي بالزعيم الإيراني وشهيد الإسلام وعلى نفس المنوال صار باقي قيادات الإخوان بمختلف أقطار التنظيم الدولي كاللبناني فتحي يكن والتونسي الغنوشي وغيرهم .

وبعد أن تبنت صحف الإخوان كالدعوة والإعتصام والمختار الإسلامي الإنحياز لطهران والهجوم على مصر والرئيس أنور السادات خاصة بعد استقبال السادات لشاه ايران في مصر، وبعد أن اطلقت طهران على أكبر شوارعها أسم الإرهابي خالد الإسلامبولي قاتل الرئيس المصري أنور السادات، صرح عمر التلمساني 16/12/1984 بمجلة الكرسنت الإسلامية التي تصدر بكندا وقال “لا أعرف أحداً من أبناء جماعة الإخوان في العالم يهاجم إيران” في إشارة منه على وحدة الأهداف والفكر التي تجمع جماعة “الإخوان” ونظام الخميني. وبعد وفاة الخميني 4/6/1989 أصدر المرشد العام لجماعة “الإخوان” حامد أبو النصر نعياً قائلاً “الإخوان يحتسبون عند الله فقيد الإسلام الإمام الخميني القائد الذي فجر الثورة الإسلامية ضد الطغاة “، وبعد أن صار علي خامنئي المرشد الأعلى أصبحت أفكار سيد قطب وحسن البنا تدرس في مدارس الإعداد العقائدي الخاصة بالحرس الثوري الإيراني، ومع حلول عواصف الربيع العربي بالمنطقة كانت ايران حاضرة بشكل مباشر على الأرض وخلف الكواليس وعبر شاشات التلفزيون فبعد خطبة خامئني يوم الجمعة 4 فبراير 2011م ثم التصريحات المتتالية له عبر وكالات الأنباء التي حس فيها جماعة “الإخوان” على التقدم نحو السلطة صرح خامئني قبل اتمام المرحلة الثانية للإنتخابات المصرية بين المعزول محمد مرسي والفريق أحمد شفيق 2012م، وقال نصاً “على الشعب المصري أن يتخلص من فلول الديكتاتور لنصرة دين الله” في إشارة مباشرة إلى تأييد مرشح الإخوان للرئاسة، وهى تصريحات لم تقل حماسة وتوضيح لعمق العلاقة بين نظام أصولي وتنظيم ارهابي عن تصريح فتحى حماد وزير داخلية حماس يوم 31/5/2012 عندما قال “المصريون هبلان مش عارفين يديروا حالهم بيشتغلوا بناء على رؤيتنا إحنا، وراح نربطهم بإيران لأن اليوم زمنا إحنا وزمن الإخوان ومن سيقف في طريقنا راح ندوسه بلا رجعة .”

فإذا كتب التاريخ يوم 11 فبراير 1979م وصول الخميني للسلطة، وكتب نفس اليوم والشهر، ولكن بعام 2011م وصول حلفاء الخميني على مسرح الأحداث بمصر تمهيداً لإعتلاء الحكم لكي يرتفع سقف طموحات طهران وقتها تجاه الخليج؛ بل والمنطقة كلها وحتى نواكشوط غرباً بعد أن توهم الجميع أن كنانة الله سقطت في جحيم المؤامرات، جاء تاريخ 30 يونيو 2013م ليعيد معادلات التاريخ والجغرافيا معاً، ويكتب شهادة ميلاد جديدة لمصر العروبة التي وضعت حدود أمنها القومي من خليجنا العربي شرقاً وحتى مغربنا العربي غرباً على عاتقها وأولى أولوياتها، وبسبب هذا التاريخ الطويل المتشابك بين اخوان الخميني وملالي مكتب الإرشاد لم أتعجب للحظة من هجوم اعلام الإخوان على البحرين بعد اعتبارها ائتلاف 14 فبراير وسرايا الاشتر (صبيان الحرس الثوري بالبحرين) تنظيمات ارهابية، أو بعد وقف صدور صحيفة الوسط الشيعية، وهو نفس الأمر الذي تكرر فى الهجوم على الكويت ومحاولة النيل من حاكمها صباح الأحمد جابر الصباح، بعد الكشف عن خلايا الإرهاب التابعة لحزب الله، ودفاع أقلام الإخوان عن حزب الله، متناسين تاريخ حزب الله الإجرامي ضد الكويت.

وإذا كان اعلام الإخوان لم يتردد في الدفاع عن موقف إيران ضد دول الخليج؛ فهو لم يتأخر للحظة للوقيعة بين دول الخليج وبعضها وعلاقاتها بمصر، ولكن ما كنت أتعجب له هو كيف بعد كل ذلك نرى دول عربية مترددة في أن تضع جماعة “الإخوان” بخانة التنظيم الإرهابي، وأن تعطي أذنها لمن يدير ذلك التنظيم الدولي من الخارج ومن كان كل تاريخه حقداً على العرب وطعناً في العروبة .

باحث ومحلل سياسي بقضايا الشرق الأوسط

fady.world86@gmail.com

3 تعليقات

  1. الف شكرا للاستاذ فادى عيد على هذا المقال الرائع الذى علمنا منه الكثير و الكثير و لموقع السعودي

  2. الاخوان و ايات الله وجهي لعملة واحدة
    اتمنى ان اقراء مقالات الكاتب المتميز فادى عيد على موقع سعودي دائما

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.