الأصولية وأطروحة الحاكمية ” إعادة الإنبعاث “

الأصولية وأطروحة الحاكمية ” إعادة الإنبعاث “

شارك

 

imago

* حسن مشهور

في الميثالوجيا القديمة ورد أن الفينكس ” العنقاء ” ، عندما تصل لنهاية عمرها فإنها تذوي وتحترق ذاتياً لتتحول لرماد. ومن هذا الرماد تبدأ في الانبعاث في حياة أخرى وبذات القوة وكمال الهيئة التي كانت عليها قبل أن تذوي.
هذه الأسطورة تجعل حالة من التداعي تتبلور في العقل الفاعل للإنسان، وتتعلق بجماعات الإسلام السياسي والتنظيمات الإسلامية والحركيين بشكل عام. فهؤلاء قد جعلوا الحكم هدفهم ، ومن اجل هذا فقد اعتقدوا أن التسربل بالدين والعزف على وتر ” الحاكمية ” هو الطريق الموصل لأحلامهم وهو ماسيعجل بجعل آمالهم الدنيوية حقيقة.
نعم .. من المخزي أن تمارس هذه الانتهازية بإسم الدين . فالدين أعظم وأجلّ من أن يتم توظيفه لتحقيق مكسب دنيوي .ولكنها تلك النفوس التي جبلت على الزيف وتسربلت بالخداع وجعلت من الدين مطية لتحقيق أجندتها المأفونة.
من الملاحظ ، أن هذه التنظيمات عندما أسفرت عن وجهها الحقيقي والقبيح وانطلقت في سعيها المحموم للقفز على السلطة ، وهو الأمر الذي ادخلها في حرب ضروس مع النظم القائمة ، وهدد بإبادتها فإنها سعت لممارسة تكتيك آخر.
هذه التكتيك يندرج تحت ممارسة تطبقها هذه التنظيمات الأصولية منذ قرون ويطلقون عليها ” التقية “. وهذه التقية هي الأيقونة التي عبرها يمارس هؤلاء الظلاميين الكذب تحت مظلة الدين .
فهم يرون بأنه مباح لهم الكذب وممارسة النفاق وإظهار عكس مايبطنون لخداع الحكام والعوام ، كل ذلك فقط من أجل تحقيق أحلامهم وأهوائهم. وهذه لعمري سقطة لمن كنا نعتقدهم أصحاب دين وأولياء لله ، ولكنه الشيطان متى ما تمكن من قلب امرئ وزين له مطلب دنيوي فإن الرادع الديني سيكون من آخر اهتماماته.
ثم تستمر هذه التنظيمات الحركية في ممارسة ( تقيتها ) أو- فلنقل بتجرد – نفاقها الديني حتى إذا ما وجدت فرصة تقربها من تحقيق حلمها القديم بإعتلاء السلطة ، سارعت لإظهار وجهها الحقيقي والقبيح وعملت جاهدة على تأليب الرأي العام بإسم الدين على النظم القائمة . ثم تعمد – هذه الجماعات الإسلاموية – للوقوف في زاوية المراقب وليست من ضمن الجماهير التي تخرج للتظاهر بل تكتفي بإشعال فتيل الفتن والثورات وتظل تتحين الفرص حتى إذا ما وجدت فرصتها سارعت للانقضاض على السلطة وتحقيق المكاسب.
ما يجهله العديد ويدركه المراقب الجيد ، إن السر في تشكل وإعادة ظهور هذه التنظيمات المتسربلة بالدين بين وقت وآخر- والتي من اشهرها في المرحلة الراهنة جماعة الإخوان المسلمين – هم أولئك المنظرين منهم والذين يطلقون على أنفسهم خطأ مسمى دعاة.
فهم في الواقع ليسوا دعاة حقيقيين بإسم الإسلام . ولكنهم يمارسون علناً الدعوة بإسم الدين من أجل خداع العوام ، في حين أنهم في السر يحرصون على الدعوة لمنهجهم الخاص ، ويعملون جاهدين على ضم المزيد من الأتباع لتنظيماتهم الحركية هذه.
هؤلاء هم المشكلة الحقيقية والمولدة لحالة اصطدام التنظيمات الحركية الدينية مع الأنظمة. وهؤلاء هم من يواري جذوة التطرف وهم من أساء للدين وجعل الآخر يعتقد بأن الدين الإسلامي هو صنو الإرهاب فتولدت لدى شعوب المعمورة حالة من ” الإسلاموفوبيا ” ، كان هؤلاء المشايخ هم من أوقد نارها وهم من سعى لتأجيجها نتاج تصرفاتهم الغير مسؤولة والتي شوهت صورة الدين.

صورة ا
ولنعد للتاريخ فسنجد ذات السيناريو تكرر مع جماعة الإخوان بمصر حين أوقع بهم عبدالناصر بعد حادثة منشية البكري بالإسكندرية الشهيرة عام 1954م والتي حاولوا خلالها اغتياله عبر تنظيمهم الخاص وهو الجناح المسلح للجماعة ، ليعاودوا حالة الإنبعاث مجدداً في عام 1965م في المؤامرة الشهيرة التي كشف النقاب عنها أمن الدولة بمصر حينذاك وحكم فيها على منظّر الجماعة سيد قطب بالإعدام.

صورة 2 ‫‬
لتنبثق من جماعة الإخوان بعد تفكيك جناحها العسكري وحالات الإعتقال والمصادرة التي طبقتها حكومة عبدالناصر بحقهم ، تنظيمات راديكالية أخرى كان من أشهرها ، ( تنظيم الجهاد ) و( جماعة التكفير والهجرة ) التي أسسها وكان أميرها شكري مصطفى واشتهرت بعد قيامها بإغتيال الشيخ الذهبي وزير الأوقاف وشؤون الأزهر المصري حينذاك ، وكذلك تنظيم ( الناجون من النار ) و( الجماعة الإسلامية ) التي اغتالت الرئيس المصري السادات في حادث المنصة الشهير عام 1982م.

صورة 3

 

لتتوارى هذه التنظيمات الحركية لفترة من الزمن بعد أن جوبهت بحملة شرسة من الأمن المصري ولتعاود الظهور مجدداً في تسعينات القرن الميلادي المنصرم وتمثلت بجملة من حوادث الإرهاب كان بعضها موجه للسياح الأجانب في مصر بالإضافة لمحاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك وحادث اغتيال رئيس مجلس الشعب المصري رفعت محجوب وعمليات اغتيال ومحاولات اغتيال بعض رموز الفكر والثقافة بمصر.
وبالعودة للداخل السعودي نجد أن تشكل الفكر المتشدد قد بدأ تقريباً في اوائل السبيعات الميلادية وكان الباعث لهذا الفكر التكفيري تلك الموجات البشرية من معتنقي الفكر الإخواني من ابناء مصر الذين فروا لدول الخليج هروباً من الملاحقات الأمنية التي طبقها بحقهم نظام عبدالناصر.
فأستقبلت المملكة العربية السعودية العديدين منهم والحقتهم بمدارس التعليم العام وبمؤسسات التعليم العالي فأستغلوا هذا الظرف وعمدوا لبث نهجهم الفكري وتوجههم الديني البعيد عن الوسطية. وما ( حركة جهيمان ) وعملية احتلال الحرم الا النتاج الأولي لذلك الفكر الإخواني المتشدد الذي بدأ يؤتي ثماره بعد مخاض عسير.
لكن قوات الأمن السعودية قد تمكنت من كسب المعركة وليدخل على إثر ذلك هذا الفكر التكفيري في سبات عميق هو أقرب للموات . ثم عاد للإنبعاث مجدداً وتحديداً في الخامس عشر من شهر مارس من عام 2003م ، حين وقع إنفجار في أحد المنازل بحي الجزيرة شرقي مدينة الرياض حيث كان أحد افراد هذه الخلايا يقوم بتصنيع قنبلة بطريقة بدائية فأنفجرت به وقتلته في الحال لتكتشف الأجهزة الأمنية السعودية أن هذا المنزل قد كان وكراً للإعداد لعملية ارهابية كبيرة كانت ستوجه للداخل السعودي ولقد كان من ضمن المضبوطات حينذاك التالي :
– 21,5 قالباً متفجراً.
– 20كيلو و400 جرام من مواد شديدة الإنفجار
– العديد من القنابل اليدوية وكبسولات التفجير
– وانواع عديدة ومتفرقة من الأسلحة والذخائر.
– ومبالغ مالية ضخمة بالإضافة لمضبوطات أخرى عديدة ومتفرقة.
ليبدأ على إثر ذلك مسلسل الإرهاب في المملكة وإستهداف المجمعات السكنية .وللتاريخ اقول بأن الفترة الممتدة مابين عامي 2005 – 2007م قد كانت هي الأصعب في تاريخنا مع الإرهاب ومواجهة زبانيته ، الا أنه وبتوفيق من الله وعبر حالة من التكامل في الجهود بين الحكومة السعودية والشعب ومن خلال جملة من العمليات الإستباقية فقد تمكنت الحكومة السعودية من حسم المعركة لصالحها في آخر الأمر .

صورة 4
اختفى أو فلنقل إنخفضت وتيرة الإرهاب في الشارع السعودي لفترة زمنية لا أنه عاد ليطل برأسه مجدداً ، وعبر عمليات نوعية هذه المرة تم فيها إستهداف دور العبادة بغية دق اسفين في ثنائية التعايش الشيعي السني وتدمير النسيج الإجتماعي السعودي ، وكل هذا لم يكن ليجرى لولا أولئك المحرضين المتسربلين بالدين الذين يسعون لإختطاف عقول أبنائنا والإضرار بلحمتنا الوطنية وسلمنا الأهلي بشكل عام. ويقيني إن المملكة العربية السعودية حكومة وشعباً ستتمكن مجدداً من الإنتصار على هؤلاء الظلاميين وفكرهم التكفيري الضال.
إن الإسلام دين محبة .. والإسلام دين سلام.. نشأ الدين في قلوبنا وأُتْرِعْنا منذ صبانا محبة الله ورسوله ، ولم نُرَبّى على كره أو بغض غير المسلم أو على تكفير الحاكم وعوام الناس وحمل السلاح والعمل على إسقاط الحكومات وإشاعة الفساد والتخريب في البلاد تحت مسمى إقامة شرع الله.
إن الخلايا الإرهابية التي تصطدم بالحكومات وتسعى لممارسة الإرهاب المسلح ضد الشعوب والمدنيين العزل هم نتاج جهد وفكر ( شيخ مسيس ) ، يُصدِّر فتواه الملغومة تحت مضلة الدين ويجعل من مجلسه الخاص أو من ” السوشل ميديا ” ايقونات لتمرير هذه افكاره الضلالية .
فينبغي على الحكومة السعودية التفكير بجدية بمحاسبة وردع كل من يعمل على تأجيج الفتنة و إختطاف عقول الشبيبة بمسمى الدين كي تضمن الخير والأمن لشعبها وللأمة الإسلامية بشكل عام.

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.