علي بن تميم: محمد بن راشد يعلن الحرب على الحرب

علي بن تميم: محمد بن راشد يعلن الحرب على الحرب

شارك

عندما نتأمل المشروع المعرفي للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الذي يهدف إلى إيصال مليوني كتاب للأطفال اللاجئين وللطلبة الذين جردوا من حقهم في اكتساب المعرفة، نستطيع أن نقول بأن المساعدات الإنسانية الإماراتية تسير في مسربين متكاملين: الغذاء والصحة بما هما ركيزة ضرورية للحياة، والقراءة والمعرفة ركيزة الركائز في فهم الحياة واستيعاب معطياتها المتعددة.

وليس ثمة خلاف بين علماء الاجتماع والتربية أنّ الطلبة والأطفال الذين يعيشون هذا الضرب من المعاناة، هم ضحية مجتمعات يخيم فيها الجهل، وتعيش في عداء مع “الكتاب”، مرده التعصب والجهل وأحادية الرأي التي تعود إلى تفشي الأمية وعودتها من جديد إلى العالم العربي على نحو غير مسبوق، وهي أمية في الرأي وأمية في تقدير التعليم وأمية في ضرورة رعاية الأطفال وحمايتهم وأمية في الاعتراف بقيمة الطلبة بما هم نور ساطع في مستقبل الأمم. فالطفل هو أبو الرجل، كما يقال، والسنوات الأولى من العمر تصقل نموذج الإنسان المستنير الذي سيكونه هذا الطفل، والرجولة الناضجة هي ثمرة طفولة سليمة.

ولعلي لا أبالغ إن قلت إنّ علينا أن نقف إلى جوار هؤلاء الاطفال ونشد من أزرهم كي يتمكنوا من التغلب على الغباء وسوء التخطيط الذي أوصلهم إلى هذا المصير المأساوي وقتل البراءة في داخلهم وشردهم. فالعالم يحتاج في هذه الأيام إلى نقاء الطفولة وبراءتها كي يتحرر من هذا الغباء، غباء الكبار، الذي تغيب عنه الحكمة. ولا شك أن مبادرة الشيخ محمد بن راشد تنطوي على هذا القدر من البصيرة والشجاعة التي ترى كيف يتوجب علينا أن لا ندمر المستقبل ونخربه عندما نهمل هذه الطاقات العظيمة ونتركها في مهب الريح.

فهذه المبادرة تريد للنور أن يشيع محل الظلام وللأمل أن يحل محل الياس وللعقل أن يقف في مجابهة الخرافة وللحياة أن تتصدى للموات والخراب. فهي تفتح أفقا معرفيا يرفض روح الاستعباد الذي يصر على أن تظل الشعوب جاهلة تنساق إلى مصيرها دون أن تعرف مواطئ قدميها.

وليس غريبا أن يطلق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في شهر رمضان مبادرته “أمة تقرأ”، نظراً لقيمة هذا الشهر الفضيل وأثره في حياة المسلمين، فهو الشهر الذي تنزل فيه القرآن، وكان الأمر بالقراءة أول ما نزل منه، رغم أنها لم تعد أمة تقرأ. إنها أمة أضحت أشباحاً منهكة، كلما اطلعت على أحوالها، همست الروح: كانت أمة لكنها آثرت الموت والجهل على الحياة والعلم، وفضلت التناحر والقتال والإرهاب على السلم والسلام والعيش بأمان وأمن يوم تخلت عن العلم والعقل والكتاب والقراءة ودخلت في أتون الصراعات الطائفية والمذهبية ولم تعتصم بحضارتها المتسامحة.

ورغم كل التحديات التي تهدد “أغذية الروح” إلا أن دولة الإمارات قررت أن تواجه التحديات هذه بالفكر والمعرفة، بما هي قوة ضاربة، قادرة على أن تهزم الأساطير التي تواجه الأمة وتطرد عنها الإرهاب وتعيد بناءها من جديد وتجمع أشلاءها المتطايرة وأعضاءها المتفرقة، وما أبلغ من أن تركز حملة “أمة تقرأ” على الأطفال من اللاجئين والطلبة، فالأطفال وهم زهو المستقبل وطريقه الآمنة هم أكثر ضحايا الأمة عندما تنهار، و كلما كانت “قيمة القراءة” عالية في أرواحهم، استطاعوا أن يتخلصوا من أمراض الجهل وأورام العصبيات التي أوصلتهم إلى ما وصلوا إليه.
لعل الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في حملته الرمضانية الأخيرة “أمة تقرأ”، يريد أن يركز أكثر من أي وقت مضى، على فعل القراءة وقيمتها الرفيعة في بناء الأجيال والأمم، ونحن أشد ما نحتاج اليوم إلى التفكير بأساليب عقلانية تدرك بأن القراءة تحتاج منا إلى أن تكون أساسا صلبا، لا يقوم على العشوائية بل على المهنية والخلق. وحملة “أمة تقرأ” تكمل وتفسر مبادرة “تحدي القراءة العربي” التي أطلقها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم استجابة وتفاعلا مع تسمية عام 2016 عاما للقراءة في الإمارات العربية المتحدة الذي جاء بتوجيهات حكيمة من رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان.

إن الأمة التي يغيب المحتوى الحضاري عن ثقافتها وتفرط في التمسك بالطقوس والشكليات، تحتاج إلى تجديد ذاتها بالقراءة الفاعلة والمنفتحة التي تطرد شبح التعصب والخرافة. فضلاً عن كون هذا المحتوى العميق يترسخ في الأطفال الذين يمثلون عماد المستقبل وركيزته بقوة ووضوح.

إنّ توجه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إلى الأطفال اللاجئين بالكتاب مع المساعدات الأخرى المهمة تعني أنه يريد أن يذكر بأن “أمة تقرأ” عليها أن تفكر بهويتها الغائبة وتستعيدها حتى تواجه ما يهدد مستقبل الأطفال.

ويقع على القادة الذين فعلت الحرب ببلادهم وأطفالها ما فعلت، أن لا يسعوا إلى جعل أتباعهم جهّالا، بل عليهم أن يسخروا كل ما يمتلكون من أجل سقيا العقول وتغذية الأرواح، ويصبح من الحكمة أن يقال هنا بأن قيمة القراءة بقدر ما تنمو في أرواح الأطفال اللاجئين فإن مستقبلهم سيكون أكثر إشراقا وسيتغلبون على جهل الكبار الذي أوصلهم إلى ما هم فيه، فالحرب ضد الموت والدماء والجهل والإرهاب والتشدد، لا يمكن خوضها دون البدء بالأطفال كما يرى غاندي.

نقلًا عن “24” الإماراتي

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.