شارك

بعد أعوام طويلة من العطاء، انتهت رحلة العالم المصري الكبير أحمد زويل، الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء، وانطوت بموته صفحة من الإنجازات المشرفة التي سجلها التاريخ في رصيد مصر والعروبة، والإسلام، وما أن أتمّ زويل رقوده الأخير في مضجعه، حتى انطلق العالم في مواساة أمته وشعبه، ولكنّ ذلك لم يعجب حفنة من مهووسي الإسلام السياسي، كيف ولماذا؟

قرر الإخوان الذين يدعون أنهم أساتذة التسامح، وتقبل الآخر، الحث على عدم الترحم على الرجل، فانطلق محمد الشنقيطي بلغةٍ عنصرية فجة، توليد الإساءة تلو الإساءة، وكذلك الجوادي، وغيرهم من الإخوان، وانتشر حض وحث محموم على وسائط التواصل الاجتماعي، ليس لشيء سوى لأنّ زويل وقف مع ثورة ٣٠ يونيو العظيمة، وبسبب ذلك أخرجوه من الملة، وكفروه تماماً، بإطلاق ألفاظٍ كهلك ونفق وغيرها، مما لا تليق بالإنسان ناهيك عن المسلم الذي قدم للعالم والإنسانية فتحًا يوازيه العارفون في مجالات العلم بقتوحات جاليلو، وغير وجه المعرفة.

هذه الأشياء ليست جديدة، حتى وإن كانت دهشتنا لها جديدة، فقد قام نفس الفكر بتحريض من هم قبلهم بمحاولة قتل نجيب محفوظ رحمه الله، ولأسباب سياسية أيضًا، حتى وإن غلفوها بأفكار متوازية وأوهام، كانوا يقتطعون عبارات من كتبه كما يفعلون الآن مع سيرة الراحل العظيم.

لا ننسى أيضًا قتل فرج فودة، المفكر المصري الذي اغتالته أيادي الغدر وبررت لهم أقلام التطرف ودافعت عنه حتى آخر يوم، ولا ننسى قبلهم العلامة الذهبي الذي اغتالوه هم أيضًا وهذا كله، يحددونه بموقف الواحد من الدولة وموالاتها، فهذه هي جماعة التطرف والتعصب، من ليس معهم يقتلونه ببرود، ويستبيحون دمه.

الجماعات الإسلامية ونظرتها للإبداع، لا تقتل المجتمع وتفرقه ببساطة فقط، بل تشوه الروح التي تحترم الإبداع، فبدلاً من الاستفادة من فكر ونظر المبدعين تتفرغ الجماعة بكل بجاحة لاقتناص شبه ورغبات لقتلهم أو القضاء عليهم، أو تشويههم، لأنهم يريدون أن يظن الناس أنه لا سبيل لتكون إنسانًا طيبًا إلا باتباع منهج الضلال الإخواني.

حينما نظرت لتغريدات القدح في العالم زويل، أبديت حزني لأحد الأصدقاء الذي قال لي، لا تحزن، فالإخوان هم الإخوان والدم هو الدم والإبداع هو الإبداع، علينا أن نعرف أن زويل محظوظ لأنه استقبل فقط قدحهم بعد مماته، ولو يستقبل سكاكين الطعن كنجيب محفوظ ولا الرصاص كفرج فودة ولا الذبح كالذهبي، فرد علينا ثالث، ومن قال لكم أنه لم يكن ضمن قوائم الاغتيال للجماعة!

كلما مات إرهابي، تجد ذات الجماعة الموهومة، تطلق صيحات الإعجاب، حتى أنهم يفرحون لموت رجل أسس تنظيمًا ذبح طفلاً قبل أسبوعين في سوريا، ولم يلتفت أحدًا منهم ليقول فيه قولة نقد واحدة، ولكنهم إذا مات رجل مستنير، يشنون الهجمات تلو الأخرى لتشويه السمع، ولمنع الناس من رؤية الآخر، ولكن الله متم نوره ولو كره الكافرون.

لقد كان أحمد زويل رجلاً كبيرًا وقدم لأمته ما لم يقدمه كل المهووسيين، وأعاد اعتبار مصر المعرفي في الدول الكبرى وفي دهاليز العلوم، وواصل مسيرة بدأها أسلافه من مئات السنين، وعلينا أن نشجع أولادنا على رؤية ما قام به كعمل عظيم لصالح وطنه وأمته ودينه، وأن هذا هو العمل الذي سيجدون حصاده في الدار الآخرة، وليس أن نصور لهم الإعجاب بالمهووسين والقتلة.

لا يوجد تعليقات

اترك تعليقا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.